للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٥ - شعراء الاستنفار والاستصراخ]

أخذت قصائد الاستنفار والاستصراخ وطلب الغوث والعون تتكاثر فى الأندلس منذ عصر أمراء الطوائف، إذ انقسمت الأندلس الشامخة فى عصر الدولة الأموية إلى أندلسات ودول وإمارات كثيرة، وأخذ أولئك الأمراء يعيشون للهو والقصف، وقلما فكروا فى مصير الأندلس، وكثير منهم كانوا يحملون السلاح ويسدّدونه إلى صدور جيرانهم الأندلسيين وما يلبثون أن يغمدوه حين يشهر الحرب على أحد هؤلاء الجيران أعداؤهم من نصارى الشمال. وأكثر من ذلك كانوا يفدون أنفسهم وإماراتهم منهم بإتاوات سنوية يدفعونها لهم راغمين. وانتهز أولئك النصارى الفرصة وهذه الفرقة بين أمراء الطوائف فتنادوا باسترداد الأندلس، وكان أول ما حاولوا استرداده حصن بربشتر سنة ٤٥٦ الواقع بين مدينتى لاردة وسرقسطة ركنى الثغور الشمالية، فقد حاصره النورمانديون واستولوا عليه ونكّلوا بأهله ونسائه وفتياته تنكيلا بشعا، زلزل الأندلس وأطار من أهلها الأفئدة، وكان ممن أفزعه هذا الحادث الجلل، فقيه طليطلة الزاهد عبد الله العسال، فنظم قصيدة ملتهبة يستصرخ بها أهل الأندلس وفيها يقول (١):

ولقد رمانا المشركون بأسهم ... لم تخط لكن شأنها الإصماء (٢)

كم موضع غنموه لم يرحم به ... طفل ولا شيخ ولا عذراء

ولكم رضيع فرّقوه من أمّه ... فله إليها ضجّة وبغاء (٣)

ولربّ مولود أبوه مجدّل ... فوق التّراب وفرشه البيداء

ومصونة فى خدرها محجوبة ... قد أبرزوها ما لها استخفاء

وهو يقول إن المشركين رمونا بأسهم قاتلة، وغنموا مغانم ضخمة، لا تأخذهم شفقة ولا رحمة على طفل ولا على فتاة ولا على رضيع ينشد أمه ويصيح بها، ولقد هتكت الحرم ونهبت الفتيات، والدماء هناك مطلولة، وقد روّع سرب الله وفلّ غربه، وإن العين لتدمع وإن النفس لتتقطع. وكان ممن استثارتهم هذه النكبة وأقضّت مضاجعهم الفقيه أبو حفص


(١) الروض المعطار (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر) ص ٤٠.
(٢) الإصماء: القتل.
(٣) بغاء: نشدان.

<<  <  ج: ص:  >  >>