ولذلك حين وافاه القدر سنة ٢٧٥ عن أربعة وسبعين عاما بكاه كثير من الشعراء، وفى مقدمتهم ابن بسّام، وقد أنشدنا فى غير هذا الموضع مرثيته له، وهى مرثية جيدة.
أبو بكر الصولى (١)
هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس الصولى من بيت كتابة وشعر، تقلد أصحابه كثيرا من الأعمال السلطانية، مثل عمه إبراهيم بن العباس، وكان أكبر كاتب فى دواوين المتوكل. وهما من أسرة صول تكين أحد أمراء جرجان. كان قد ظفر به يزيد بن المهلب فى بعض حروبه وهو وال على خراسان للحجاج، فأسلم على يديه، ولزمه وأصبح من رفاقه، حتى إذا ثار يزيد على بنى أمية فى أوائل القرن الثانى للهجرة ثار معه عليهم محاربا فى صفوفه، ودارت عليهما معا الدوائر فسقطا قتيلين فى ميادين المعارك. وقد تتلمذ أبو بكر لعلماء عصره فى بغداد: أبى داود السجستانى وثعلب والمبرد، وكذلك لأصحاب الأخبار والمؤرخين ولأصحاب الهندسة، وتدل صلته بالأخيرين على معرفته بعلوم الأوائل. وكان يحسن لعبة الشّطرنج حتى قالوا إنه كان أكبر حاذق لها فى زمنه. وأكبّ على معارف عصره إكبابا منقطع النظير، وجعله هذا الإكباب يعنى بجمع الكتب، وما زال يجمعها حتى كوّن لنفسه مكتبة ضخمة تحدث عنها معاصروه، كما أسلفنا، وراعتهم فيها جلود الكتب المختلفة الألوان. إذ جعل لكل صفّ من الكتب لونا، فصف أحمر وصف أخضر إلى غير ذلك. وفتحت له معارفه الواسعة ومهارته فى لعبة الشطرنج أبواب الخلفاء منذ عهد المعتضد. وهو مع ذلك يغدو عليهم ويروح بمدائحه، وهم ينثرون عليه أموالهم، مما جعله يعيش معيشة رغدة. وكلّفه المقتدر تعليم ولديه الراضى وهرون. فأحسن تعليمهما، وخرّج أولهما شاعرا وأديبا لسنا، حتى إذا ولى الخلافة اتّخذه نديمه ومستشاره. ويزورّ عنه الخليفة المتقى بعده فيترك بغداد إلى
(١) انظر فى أخبار أبى بكر الصولى وأشعاره الفهرست ص ٢٢١ وتاريخ بغداد ٣/ ٤٢٧ ومعجم الشعراء للمرزبانى ص ٤٣١ وديوان المعانى للعسكرى (انظر الفهرس وذيل زهر الآداب ص ٢٤٥ ومعجم الأدباء ١٩/ ١٠٩ ووفيات الأعيان والنجوم الزاهرة ٣/ ٢٩٦ وله فى كتابه أخبار الراضى والمتقى أشعار كثيرة.