نمت الرسائل الإخوانية فى هذا العصر نموّا واسعا، ونقصد الرسائل التى تصور عواطف الأفراد ومشاعرهم، من رغبة ورهبة ومن مديح وهجاء ومن عتاب واعتذار واستعطاف، ومن تهنئة واستمناح ورثاء أو تعزية، وكانت هذه العواطف تؤدّى فى العصر الأموى بالشعر، وكان من النادر أن تؤدى بالنثر، أما فى هذا العصر فقد زاحم فيها النثر الشعر بمنكب ضخم، وأتاح له ذلك أمران:
أولا ظهور طبقة ممتازة من الكتّاب الذين يجيدون فيه إجادة رائعة، وخاصة من كان منهم يكتب فى الدواوين، إذ كانوا يأخذون أنفسهم بثقافة واسعة وكانوا يعنون بتحبير كلامهم وتجويده وحشد كل ما يمكن فيه من عناية فنية، على نحو ما مر بنا آنفا. والأمر الثانى مرونة النثر ويسر تعابيره وقدرته على تصوير المعانى بجميع تفاريعها قدرة لا تتاح للشعر لارتباطه بقواعد موسيقية معقدة من وزن وقافية. وقد طوّع هؤلاء الكتاب الديوانيون أو السياسيون أساليبه ومرّنوها على أن تحمل كثيرا من المعانى الجديدة غير المألوفة.
وبذلك كله ثبت النثر للشعر فى التعبير عن العواطف التى طالما عبّر عنها، بل لقد أظهر فى ذلك طواعية لعلها لم تكن تتاح حتى لكبار الشعراء، ومن أجل ذلك رأينا منهم كثيرين يتخذون النثر أداة للتعبير عن مشاعرهم على نحو ما سنرى عند العتّابىّ وأبى العتاهية، وكأنهم وجدوا فيه يسرا فى التعبير وفسحة لعرض بعض المعانى التى يلموّن بها بجميع دقائقها مما لا يستطيع الشعر أداءه.
وتدور فى كتب الأدب رسائل إخوانية كثيرة مما دبّجه كتّاب الدواوين والشعراء وغيرهم من الأدباء، فقد تعاور عليها كثيرون، وكل منهم يتأنق فيما يكتب منها ويحاول الإطراف بمعانيه وصياغاته وما يبثّ فيها من مهارته الفنية.
وممن كان يعنى بها عناية واسعة فى أوائل هذا العصر ابن المقفع وسنفرد له بعض الصحف فى الفصل التالى، ومنهم محمد بن زياد الحارثى، وهو أخو يحيى بن