للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زياد الحارثى رفيق مطيع بن إياس وجيله، وفيه يقول ابن النديم «شاعر مترسل بليغ (١)» وله فى الشكر (٢):

«قد يجب على من يتقلب فى ظل كرامتك، ويأوى إلى كنف نعمتك، أن يقول بما هو أولى ويخبر عما هو به مرتهن من شكر بلائك (٣)، وحق نعمتك، فنحن الذين سبقت نعمتك عليهم، وعظمت منتك لديهم، فيما أبليت وأوليت من جميل رأيك، وحسن أثرك، بعطفك وتحنّنك، واستخلاصك إياه مقة وأنسا. . . فى أياد من أياديك عظمت فلا تجحد، ونعم من نعمك شهرت فلا تنكر، ولا يحصى عددها وإن اجتهدنا فى حفظها، ولا نبلغ فى شكرها، وإن دأبنا فى بلوغ تأديته، فقد اعتقدتها منّة علينا، ويدا عندنا، فنحن لك صنيعة ما بقينا وبقى الخلف منا».

وكانت ترجمة ابن المقفع للأدب الكبير وما جاء فى كتاباته من حديث عن الإخاء والمودة مادة غزيرة للكتّاب كى يستمدوا منها كل ما يريدون من تصوير الأخوة الحقة والصداقة الصادقة، ويصور ذلك من بعض الوجوه رسالة لجبل بن يزيد إلى بعض إخوانه وهى تجرى على هذا النمط (٤):

«اعلم أنى إليك مشوق وأن صلة الإخوان كرم، وخير الصلات ما لم يكن لها وجه إلا الرجاء والحفظ وتجديد المودة وتصحيح الإخاء، فإن الذى يكاتب إخوانه على حال الرغبة. . . إن أحبّ مال به إلى الصحة، وإن شاء وضعه للرغبة، والرغبة أملكهما به. والذى يكاتب إخوانه على حال الضرورة فقد يستقطع الصلة عند الحدث مخافة الملامة من الناس على القطيعة الشّنعاء المشهورة لإخوانه، فإن الذى لا مودة له قد يصل ذلك فى تلك القطيعة بأهل البلاء.

والكتاب على مثل حالنا وحالك اليوم شاهد على أن ذلك ليس إلا صحة الإخاء والشوق إلى المحادثة بالكتاب حين لا يلومك اللائمون لمنزلة البلاء تلك اللائمة على التقصير ولا توضع منك الرغبة فى الإطماع. إياك أن تعتلّ بالأشغال أن كنت فى خاصة نفسك، فإن أداء الحق وصلة الأخوان أعظم الخاصة بك خاصة،


(١) الفهرست ص ١٧١.
(٢) جمهرة رسائل العرب ٣/ ٧٩.
(٣) البلاء هنا: الإحسان.
(٤) جمهرة رسائل العرب ٣/ ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>