صور من التكلف الشديد، وقد أصبح التصنع بدع العصر للإتيان بمحسنات البديع من جناس وطباق ولف ونشر وتوريات وبذلك لم يعد الشعر فى جمهوره يعبر عن عواطف ومشاعر صادقة للشاعر، وربما كانت أجمل مقطوعة غزلية لابن خاتمة قوله:
زارت على حذر من الرّقباء ... والّليل ملتفّ بفضل رداء
تصل الدّجى بسواد فرع فاحم ... لتزيد ظلماء إلى ظلماء
فوشى بها من وجهها وحليّها ... بدر الدّجى وكواكب الجوزاء
أقسمت لولا عفّة عذريّة ... وتقى علىّ له رقيب رائى
لنقعت غلّة لوعتى برضابها ... ونضحت ورد خدودها ببكائى
ومع ذلك فإننا نشعر بغير قليل من التكلف فى المقطوعة على نحو ما نرى فى الشطر الثانى من البيت الثانى، والصور فى البيت الثالث متراكمة، وقسمه الذى مهّد به لعفته وتقاه الذى يراقبه فى حبه، كل هذه صور من التكلف الشديد فى الغزل. ويخف هذا التكلف فى موشحاته بحكم القصر الشديد فى شطورها، وبذلك لا تظهر فيها هلهلة النسيج التى تلاحظ بوضوح فى كثير من أبيات شعره.
[٢ - شعراء الطبيعة والخمر]
تتميز الأندلس بطبيعة فاتنة فى سهولها ووديانها وأنهارها وجبالها وغاباتها وأشجارها وأزهارها وبساتينها ومتنزهاتها، وهى طبيعة خلبت ألباب الشعراء هناك فتغنوا بمفاتنها ومشاهدها دائما باثّين فيها عواطفهم ومشاعرهم. وكان مما زادهم شغفا بها ما مرّ بنا من اختلافهم إلى المتنزهات والحدائق المحيطة ببلدانهم مع صواحبهم، ولذلك كثر عند شعراء الأندلس المزج بين الطبيعة والغزل، وأيضا كثر عندهم المزج بين الطبيعة والخمر، ونظن ظنا أن إقبالهم على الخمر إنما كان بسبب مزاجهم الحاد العنيف الذى ولدته فيهم حربهم الدائمة لنصارى الشمال، إذ تقوم حياة المحارب دائما على الحدة والعنف والإقبال على فنون المتاع. وكان من آثار ذلك أن كثر عندهم شعر الخمر مقرونا بالطبيعة أو بها وبالحب، وكثيرا ما يسوقون ذلك فى مقدمات مدائحهم، ولا نستطيع الحديث عن شعراء الطبيعة والخمر فى قسمين متقابلين كما صنعنا فى حديثنا عن شعراء الفخر والهجاء، إذ هما