للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الرّابع

طوائف من الشعراء

[١ - شعراء الغزل]

ظل تيار الغزل حارّا متدفقا طوال هذا العصر، حتى ليخيل إلى الإنسان أنه لم يشد شاعر بشعر إلا وجرى الغزل على لسانه، لا يشذّ عن ذلك سلطان ولا وزير ولا كاتب ولا قائد. وظل للغزل لوناه المتقابلان على مر العصور: الغزل المادى والغزل العذرى العفيف، وكان طبيعيا أن تظل للغزل سوقه الكبيرة لكثرة الإماء والجوارى وكان كثيرات منهن يحسنّ الغناء، فملأن قلوب الرجال شغفا وهياما. واقرأ فى تراجم الشعراء لهذا العصر فستجد دائما مقطوعات الغزل لتختار منها ما يطيب لك جمال معنى وجمال صورة وجمال صوت، على شاكلة قول ابن العميد (١).

ظلّت تظلّلنى من الشّمس ... نفس أعزّ علىّ من نفسى

فأقول وا عجبا ومن عجب ... شمس تظلّلنى من الشّمس

وهى صورة بديعة لما فيها من لفت قوى إلى جمال صاحبته، وكان خليفته فى وزارته الصاحب بن عباد أشعر منه، وله غزل كثير أنشد منه الثعالبى طائفة من المقطوعات، من ذلك قوله (٢):

قال لى إنّ رقيبى ... سيّئ الخلق فداره

قلت دعنى وجهك الجنّ‍ ... ة حفّت بالمكاره

وواضح أنه عمد فى البيت الثانى إلى الاقتباس من الحديث النبوى: «حفّت الجنة بالمكاره» وهو اقتباس طريف لإحكام صلته بما قبله. وكثرة الاقتباس من الحديث والقرآن الكريم ظاهرة من ظواهر العصر الأدبية.

وكانوا يتورّطون أحيانا فى الغزل بالغلمان، وهو وصمة فى جبين العصر، تضاف إلى


(١) اليتيمة ٣/ ١٧٨
(٢) اليتيمة ٣/ ٢٥٤

<<  <  ج: ص:  >  >>