رأينا فى حديثنا عن الحياة السياسية لإيران أنها أخذت تستشعر منذ القرن الثالث الهجرى نزعة قومية قوية كان من آثارها فى أوائل هذا العصر أن تقابلت دويلات وإمارت فارسية كثيرة على رقعة إيران الفسيحة، فكان البويهيون فى الوسط والجنوب ومدوا أجنحتهم حتى شملت بغداد والعراق. وكان الزياريون فى الشمال بطبرستان وجرجان، وكان السامانيون فى خراسان، وبذلك كانت إمارتهم أبعد الإمارات عن حاضرة اللغة العربية والخلافة الإسلامية: بغداد، وتليها إمارة الزياريين فى البعد. وهيأ ذلك للإمارتين جميعا أن تعملا على إحياء اللغة الفارسية الأدبية. وكان السامانيون أسبق إلى ذلك، لأن إمارتهم أسبق فى التاريخ، ولأنهم ورثوا إمارة الطاهريين التى سبقتهم منذ عصر المأمون، إذ منح طاهر بن الحسين قائده المشهور خراسان طعمة له ولبنيه، فاستقلوا بها مبكرين، وكانت أول الإمارات الفارسية فى الظهور والنشأة، فساعد ذلك أهلها على أن يكونوا السابقين فى استشعار القومية الفارسية والعمل على استظهار شعر فارسى لهم ينافسون به الشعر العربى. وكذلك الشأن فى إمارة الصفّاريين التى عاصرتها، ويذكر مؤرخو الشعر الإيرانى عادة بعض أسماء الشعراء الذين عرفهم القرن الثالث الهجرى، واتخذوا الفارسية لسانا لهم، يعبرون بها عن مشاعرهم، وغير قليل منهم يلفّه ضباب الأساطير، وأول شاعر معروف حقا هو الرودكى السمرقندى جعفر بن محمد المتوفى سنة ٣٢٩ للهجرة وكان يتغنى بمديح السامانيين ووزيرهم البلعمى مترجم تاريخ الطبرى إلى الفارسية، ويقال إن هذا الشاعر ترجم من العربية كليلة ودمنة شعرا فارسيا، غير أن ترجمته سقطت من يد الزمن.
وخلفه الدقيقى الطوسى المتوفى سنة ٣٦٧ وهو بدوره من شعراء الدولة السامانية، واشتهر بأنه اعتزم نظم الشاهنامه فى تاريخ ملوك الفرس وأبطالهم وأساطيرهم القديمة وأنه نظم منها