للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رحلوا وفى القلب المعنّى بعدهم ... وجد على مرّ الزمان مخيّم

وتعوّضت بالأنس روحى وحشة ... لا أوحش الله المنازل منهم

إنى لأذكركم إذا ما أشرقت ... شمس الضحى من نحوكم فأسلّم

لا تبعثوا لى فى النسيم تحيّة ... إنى أغار من النسيم عليكم

والأبيات تعبر عن عاطفة الحب الملتاعة وأنه لن ينسى أحباءه أبدا نزلوا نجدا أو نزلوا تهامة، فهم فى سويداء فؤاده والوجد يبرّح به، والوحشة منهم تلذع روحه، وهو يستقبل شمس الضحى المشرقة من ديارهم بالسلام الحار. وما يلبث أن يعبر فى البيت الأخير عن رقة ورهافة حسّ بالغة، وله من جملة قصيدة بيته المشهور:

وما لى إلى ماء سوى النيّل غلّة ... ولو أنه-أستغفر الله-زمزم

وهو يصور أدق تصوير محبته لوطنه، وهى محبة تملك دائما على المصريين شغاف قلوبهم.

وكان المهذب وأخوه الرشيد-وكان شاعرا مثله-وثّقا صلتهما بشيركوه وصلاح الدين حين قدما مصر لنجدة الوزير شاور ضد خصمه وضد الصليبيين، ولم يلبث شاور أن قلب ظهر المجن لصلاح الدين وعمه شيركوه، واضطرا إلى مبارحة مصر فترة. وحينئذ يقتل شاور الرشيد ويسجن المهذب فينظم شعرا كثيرا فى استعطافه، ويرد إليه حريته، وسرعان ما يتوفى سنة ٥٦١ للهجرة.

ابن قلاقس (١)

هو نصر الله بن عبد الله بن قلاقس الإسكندرى، ولد بالإسكندرية سنة ٥٣٢ ونشأ بها وسمع من شيوخها، ولزم حلقة أبى طاهر السّلفى أكبر المحدثين فى عصره، وتفتحت موهبته الشعرية مبكرة فمدح بعض أولى الأمر المشرفين على الإسكندرية. وكان فى أثناء ذلك يلزم صحبة شيخه؟ ؟ ؟ وله فيه مدائح بديعة مثبتة فى ديوانه من مثل قوله:

تفيض بحار العلم من كلماته ... فإن كنت ظمآنا فرد خير منهل

فيا أيها المحمود من كلّ ناطق ... على كل معنى فى فنا كلّ منزل


(١) انظر فى ترجمة ابن قلاقس الخريدة (قسم شعراء مصر) ١/ ١٤٥ ومعجم الأدباء ١٩/ ٢٣٦ وابن خلكان ٥/ ٣٨٥ وحسن المحاضرة ١/ ٢٤٢ والشذرات ٤/ ٢٢٤ ومرآة الجنان ٣/ ٣٨٣. وديوانه طبع قديما بمطبعة الجوائب وراجعه وضبطه خليل مطران.

<<  <  ج: ص:  >  >>