للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمهذب بن الزبير فرح مبتهج بما أفاء الله من نصر على ابن رزّيك فى العريش، فقد دقّ أعناق الصليبيين هناك، ونكصت بقيتهم على أعقابها إلى البحر منهزمة. ولا ريب فى أن تصوير المهذب لدم الأعداء على صفحة البحر المتوسط بأنه خضاب أو هو شقائق أو ورد أحمر نثر على الريحان، وكأن المتوسط قد خلّق وجهه وطيّب بالزعفران وطفت عليه منابت المرجان، لا ريب فى أن ذلك كله تصوير بديع. ويذكر المهذب أن الأسطول المصرى لقى فلول الصليبيين المنهزمين إلى البحر يقتل فيهم ويأسر، يقول فى سفنه وصنيعها بهم:

شبّهن بالغربان فى ألوانها ... وفعلن فعل كواسر العقبان

وأتتك موقرة بسبى بينه ... أسراهم مغلولة الأذقان (١)

وهو يصف الأسرى وقد غلّت أعناقهم إلى أذقانهم فلا يستطيعون لرءوسهم عطفا ولا حركة، وينوّه بقتل أحد أمرائهم، قائلا:

قتل البرنس ومن عساه أعانه ... لمّا عتا فى البغى والعدوان

وأرى البريّة حين عاد برأسه ... مرّ الجنا يبدو على المرّان (٢)

وتصادف فى أثناء ذلك أن وقعت زلازل شديدة فى الشام دكّت بعض حصون الصليبيين فذكر ذلك ابن الزبير ملتمسا له تعليلا طريفا إذ يقول لابن رزّيك:

ما زلزلت أرض العدا بل ذاك ما ... بقلوب أهليها من الخفقان

وله فى ابن رزّيك مدائح كثيرة وراء هذه النونية. وكان يتقن فنون الشعر المختلفة من استعطاف وغير استعطاف، وله فى استعطاف أحد دعاة الفاطميين باليمن ميمية مشهورة، كان أخوه الرشيد قد ذهب إليه فى مهمة للدولة، فهمّ بقتله، وسجنه، فأرسل إليه بتلك القصيدة يستعطفه لأخيه، فعفا عنه وردّ إليه حريته. واشتهرت القصيدة بغزلها وما يرمز فيه من لهفة على أخيه، إذ يقول:

يا ربع أين ترى الأحبّة يمّموا ... هل أنجدوا من بعدنا أو أتهموا (٣)

نزلوا من العين السواد وإن نأوا ... ومن الفؤاد مكان ما أنا أكتم


(١) موقرة: محملة.
(٢) الجنا: الثمر. المران: الرماح.
(٣) أنجدوا: دخلوا نجدا. أتهموا: دخلوا تهامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>