وفى هذه الأثناء كان يجوب البحر المتوسط بطلان تركيان من رجال البحر هما عروج وخير الدين (بربروس) وكانا قد تطوعا بنقل الأندلسيين المطرودين من غرناطة وإقليمها إلى سواحل البلاد المغربية، وغضبا غضبا شديدا لاستيلاء النصارى الإسبان على سواحل الجزائر الإسلامية والبلدان المغربية وصمما على إنقاذها منهم، واتفقا مع الخليفة أبى عبد الله الحفصى أن يتخذا جزيرة جربة فى تونس قاعدة لضرب الأسطول الإسبانى وتحرير الساحل الجزائرى. ولم يلبثا أن استوليا من الإسبان على مدينة الجزائر سنة ٩٢٢ هـ/١٥١٦ م وأخذا يديران منها معارك حامية مع الإسبان، اشترك معهم فيها الجزائريون والأندلسيون المهاجرون الموتورون من فرديناند والإسبان، وحميت المعارك وأخذت بعض الموانى الساحلية تسقط فى حجر البطلين، وتوفى عروج قبل الأوان، ومضى خير الدين فى حملاته، ورأى-بثاقب نظره- أنه لا يستطيع إقامة ملك تركى مستقل بالجزائر، فأرسل إلى السلطان العثمانى بولائه له هو وفتوحاته فى الساحل الجزائرى، وقبل منه ذلك، وسماه:«بايلاريك» أى أمير الأمراء، وأمده بجند وأسطول، وبذلك دخل الأتراك الحرب ضد الإسبان المعتدين، واستطاع خير الدين (بربروس) حتى سنة ٩٤٢ هـ/١٥٣٦ م أن يحرر الساحل الشرقى والغربى من الجزائر ما عدا المرسى الكبير ووهران، ودمّر الأسطول الإسبانى فى مواقع عديدة. وبذلك وقف هذه الحرب الإسبانية الصليبية، وأنقذ الإسلام فى إفريقيا، وأسس بقوة السلاح-فى الجزائر-دولة إسلامية عثمانية. وظلت الملحمة الحربية دائرة فى الجزائر بين النصرانية تمثلها إسبانيا والإسلام يمثله الترك. ويخلف خير الدين (بربروس) ابنه حسن، وتمنحه الدولة العثمانية لقب بايلاريك مثل أبيه، وكان على شاكلته بطلا مقداما. وشنّ شارل الخامس ملك إسبانيا سنة ٩٤٨ هـ/١٥٤١ م حملة بحرية على مدينة الجزائر ظل يستعد لها طويلا، وما إن ألم أسطوله بها حتى سحق سحقا أمام المدينة، وغنم البايلاريك حسن والجزائريون والأندلسيون المهاجرون كل ما كان بالأسطول من سلاح وآلات وعدد. واستولى البايلاريك حسن على المرسى الكبير وهدمه، كما استولى عنوة على كل المواضع التى كان يحتلّها الإسبان هناك ما عدا وهران، فقد بقيت فى يد الإسبان حتى سنة ١١١٩ هـ/١٧٠٧ م إذ استطاع القائد أوزن حسن فى عهد الباشا محمد بكداش فتحها وطرد الإسبان منها، وعادت إليهم سنة ١١٤٤ هـ/١٧٣٢ م إلى أن طردوا
(١) انظر فى العهد العثمانى بالجزائر كتاب الجزائر لأحمد توفيق المدنى وكتاب تاريخ الجزائر لعبد الرحمن الجيلالى وكتاب تاريخ الجزائر الثقافى من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر الهجرى للدكتور أبى القاسم سعد الله ومادة الجزائر فى دائرة المعارف الإسلامية.