للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن اللبانة (١)

هو أبو بكر محمد بن عيسى الّلخمى الدانى، من دانية على البحر المتوسط، إحدى المدن الأندلسية التى كانت مليئة بالعلماء والكتاب والشعراء، وهو منسوب إلى أمه، وكانت امرأة صدق، تشتغل ببيع اللبن، حتى غلب اسمه عليها، ونسب أولادها إليها، وعنيت به وبتربيته، فثقف الآداب العربية وتفتحت ملكته الشعرية مبكرة، فتردد على أمراء الطوائف، وكلهم أعجبوا بشعره. واستقر أخيرا عند المعتمد بن عباد، إذ كان أكثرهم نوالا، وظل عنده حتى استنزله ابن تاشفين من إمارته، وأخذ بعده يتنقل فى البلاد، وزاره بأغمات فى منفاه، وعاد إلى الأندلس، وألف كتابه «سقيط الدرر ولقيط الزهر» وتدل نقول ابن سعيد عنه أنه كان فى أخبار الشعراء، وحاضر به فى المريّة بجنوبى الأندلس على المتوسط-كما يقول ابن الأبار-سنة ٤٨٦ ولا ندرى هل عاد إلى زيارة المعتمد فى أغمات أو لم يعد، غير أنه لما توفى رثاه رثاء حارا. ونراه يلحق بناصر الدولة مبشر بن سليمان بميورقة، ويبدو أن كلا منهما أهدى صاحبه خير ما عنده، أهداه ناصر الدولة الأموال وأهداه ابن اللبانة الأشعار والمدائح البديعة، وما زال ابن اللبانة يعيش فى رعايته حتى توفى فى الجزيرة سنة ٥٠٧. وضرب ابن اللبانة مثلا رائعا فى الوفاء للمعتمد بن عباد، فقد بكى دولته مرارا وتكرارا، ومن أروع ما قاله من ذلك دالية، وهو يفتتحها على هذه الشاكلة:

تبكى السماء بدمع رائح غادى ... على البهاليل من أبناء عبّاد (٢)

على الجبال التى هئدت قواعدها ... وكانت الأرض منهم ذات أوتاد (٣)

عرّيسة دخلتها النائبات على ... أساود منهم فيها وآساد (٤)

إن يخلعوا فبنو العبّاس قد خلعوا ... وقد خلت قبل حمص أرض بغداد (٥)

يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ ... فى ضمّ رحلك واجمع فضلة الزاد

ويا مؤمّل واديهم لتسكنه ... خفّ القطين وجفّ الزّرع بالوادى (٦)


(١) انظر فى ابن اللبانة وترجمته وشعره الذخيرة ٣/ ٦٦٦ والقلائد ٢٤٥ والمغرب ٢/ ٤٠٩ والمعجب ٢٠٨ والمطرب ١٧٨ والخريدة ٢/ ١٠٧ والتكملة رقم ٥١١ والفوات ٤/ ٢٧ والوافى بالوفيات ٤/ ٢٩٧ وبغية الملتمس رقم ٢١٣.
(٢) رائح غادى: راجع ذاهب. البهاليل: السادة.
(٣) أوتاد: جبال.
(٤) أساود جمع أسود: الأفعى الكبير. العريسة: غيل الأسد والآساد.
(٥) حمص: إشبيلية.
(٦) خف القطين: رحل السكان.

<<  <  ج: ص:  >  >>