وقال اقتلوا فالقتل يردع غيرهم ... ولا رقّ ذاك القلب منه ولا لانا
تعالوا تروا ضلّيل فى زىّ ناسك ... يطوّل من ثوب الضلالة أردانا
وقد قدّ ذاك الثوب من كل موضع ... ومرّ بأبصار الخلائق عريانا
إذا شيم منه الخير فالبرق كاذب ... وإن صال منه الرعد يهلك بلدانا
ويقول إنه أفتى بقتل من سفكت دماؤهم لزجر غيرهم وردعهم لا يرعى فيهم عهدا ولا ذمة، وكأنما قسا قلبه وخلا منه كل شعور حتى غدا كالحجر الصلد أو أشد قسوة، ويعجب أن يتظاهر بالنسك وعبادة ربه وهو يطوّل من ثوب الضلالة أردانه أو أكمامه، ويقول إن هذا الثوب قدّ وشقّق ومزّق حتى أصبح-رغم لبسه له-عريانا، وحتى لو رؤى منه برق خير فالبرق كاذب، أما إذا أرعد فهلاك للبلاد والعباد. ويهيب الشاعر بأهل تلمسان أن يثوروا بالعثمانيين ثورة عنيفة، ويتوعد ابن زاغو بما سيلقى عند ربه قائلا:
أيا آل دين الله مالى أراكم ... نياما وكان الطّرف من قبل يقظانا
أما تذكرون الأهل والزمن الذى ... عهدتم فذاك الوصل قد صار هجرانا
وهلا سألتم عن يتامى تفرّقت ... أيادى سبا فى الغرب أنثى وذكرانا
ألا إنك الدّجّال للناس فتنة ... تأهّب لزوح الله فالحين قد حانا
وهو يستصرخ أهل تلمسان ليهبوا من نومهم الطويل ويذودوا عن أهلهم وحريمهم الذين قتل العثمانيون أزواجهن ويتموا أبناءهن وتفرقوا فى البلدان مزقا أناثا وذكورا، ويقول لابن زاغو رأس هذه الخطيئة قلى وبغضا لك حين تتخذ الفتك بالأهل سلوانا، إلا إنك الدجال الذى يموه الحق ويزين الباطل ويوقد الفتن، فتأهب واستعد لإزاحة الله لك من على وجه الأرض، فقد آن موتك ولم يعد لك مفر منه. وواضح أن سعيدا المنداسى كان شاعرا بارعا، ولم يكن يعيش بمعزل عن قومه، فقد كان يشاركهم فى ثوراتهم على ظلم الحكام العثمانيين فى أيام شبابه، وإن فاته أن يحمل السلاح فى وجوههم فإنه لم يفته أن يجعل من أبيات شعره الفصيح والعامى سهاما يسلطها على جباه العثمانيين ويقذفها على رءوسهم وصدورهم محاولا- بكل جهده-أن يستثير مواطنيه من أهل تلمسان ضدهم حتى يذيقوهم نكالا ووبالا.
٥ -
الشعراء والشعر التعليمى
مرّ بنا فى الجزء الخاص بالعصر العباسى الأول أن رقى الحياة العقلية فيه هيأ لاستحداث الشعر التعليمى الذى يعنى بنظم التاريخ والعلوم والقصص التعليمية، وكان من السابقين إلى