بالعدالة والتقوى وسعة العلم، واختارت شورى الإباضية بعده ابنه عبد الوهاب وظل إماما للإباضية حتى سنة ٢١١ هـ/٨٢٧ م غير ملاحظين أن ذلك يفضى بالإمامة إلى أن تكون وراثية، مما يناقض إنكارهم لنظام الخلافة الوراثى، وأدّى ذلك إلى انشقاق فى صفوف الإباضية هناك إذ نشأت بينهم طائفة تسمى النكارية أنكرت إمامة عبد الوهاب الوراثية. وتمرّدت عليه فى شمالى الدولة فرقة الواصلية المعتزلة نسبة إلى زعيم المعتزلة فى البصرة واصل بن عطاء وحاربها وقضى على فتنتها، وانضم إلى مذهبه الإباضى جبل أوراس أو بعضا منه، وخلفه ابنه أفلح حتى سنة ٢٤٠ هـ/٨٥٤ م وكانت النكارية لا تزال تشاقّ جماعة الإباضية شاهرة السلاح فأدار معها حربا انتهت بمقتل قائدها وتشتت أنصاره فى البلاد والقبائل، وخلفه ابنه أبو اليقظان حتى سنة ٢٨١ هـ/٨٩٤ م وأخذت الدولة فى الضعف وتفاقم فى عهد ابنيه أبى حاتم وأبى اليقظان. وكان أبو عبد الله الشيعى داعية المهدى الفاطمى قد نشر الدعوة الفاطمية فى قبيلة كتامة وأيدته فى القضاء على الدولة الرستمية نهائيا سنة ٢٩٦ هـ/٩٠٩ م. ومما يذكر لهذه الدولة تنشيطها التجارة إلى الصحراء الإفريقية المدارية فى بلاد تشاد والنيجر ومالى وفولتا وإلى السودان النيلى فى مناطق كردفان وواداى. وقد عنيت الدولة عناية واسعة بحراسة السبل وإقامة الفنادق والمحطات وحفر الآبار للقوافل وحراستها، وأهم من ذلك أنها أقامت فى الواحات وفى كثير من الجهات زوايا بها مساجد لنشر الإسلام فى كل البقاع التى كانت تنزلها القوافل، وهى خدمة دينية وحضارية كبرى. ولما قضى على الدولة الإباضية فى تاهرت انحاز الإباضيون فى الجزائر إلى الجنوب-حتى اليوم-فى أرض ميزاب والواحات مثل بسكرة والأغواط وغرداية وو رجلان. وتبع سقوط الدولة الرستمية سيطرة المذهب السنى-وخاصة مذهب مالك- على البلاد وعلى مراكز التجارة والزوايا فى الصحراء الإفريقية المدارية والسودان النيلى.
[(د) تلمسان]
فى أقصى الغرب من الجزائر تقع تلمسان وإقليمها، وكان بها من قديم بنو يفرن الزناتيون مؤسسوها وكانوا يعتنقون مذهب الصفرية الخوارج، وشدوا أزر ميسرة فى حربه ضد جيش ابن الحبحاب كما شدوا أزر الإمام الصفرى بعده خالد بن حميد. ونراهم فى سنة ١٤٨ يبايعون بالإمامة الصفرية رجلا منهم هو أبو قرة اليفرنى الزناتى، ويعدّ فى سنة ١٥٠ هـ/٧٦٧ م جيشا كبيرا لمنازلة الأغلب بن سالم التميمى فى ولايته على المغرب الأدنى (الإقليم التونسى وشرقى الجزائر) ويبلغ النبأ الأغلب فيقدم إليه بجيش جرار، حتى إذا اقترب منه هرب وتفرّقت عنه جموعه. ويتولى المغرب الأدنى سنة ١٥١ هـ/٨٦٨ م عمر بن حفص المهلبى ويأخذ فى إعداد جيش لمنازلة أبى قرة ويحصن طبنة عاصمة الزاب، وكان أبو قرة أعد جيشا كثيفا لملاقاته، وتقدم إلى طبنة، غير أن خلافا دبّ فى جيشه، وتفرّق عنه جنوده. واضطر عمر بن حفص