وقد اندمج كثير من هذه العناصر قديما فى البربر وحديثا أو بعد الفتح العربى فيهم وفى العرب فقد ظلوا دائما العناصر الأساسية فى ليبيا وأكثرها نبلا واحتراما وشعورا بالشخصية، حتى لنستطيع أن نقول بصفة عامة، رغم كل العناصر التى نزلت ليبيا، إنها تكوّن وحدة كبيرة من عرب وبربر، بل لقد اندمج بعضهم فى بعض بحيث لا تستطيع أن تميز الوجه العربى من الوجه البربرى، بل لقد أصبحت الوجوه جميعا ليبية لا فرق بين بربرى وغير بربرى.
[٢ - المعيشة]
مرّ بنا أن الفينيقيين أقاموا فى طرابلس لتكون مركزا لتجارتهم وأقاموا معها صبراتة غربيها ولبدة شرقيها، وبالمثل أقام الإغريق فى شرقى ليبيا سيرين، وأضافوا إليها أربعة مدن: مدينة مكان سوسة الحالية، وبرقة، ومدينة مكان طوكره الحالية، وبنغازى. وكل هذه المدن حول طرابلس وفى شرقى البلاد كانت مراكز تجارية فى العصور السحيقة، وظلت التجارة النشاط الأساسى لأهلها، يتخذونها معاشا لهم طوال العصور الماضية، وأخذت تقام معها على الساحل الليبى مدن أخرى مثل زواوة غربى طرابلس وإلى شرقيها لبده وزليطن ومصراته وسرت، ومثل أجدابية وطلمثية ودرنة وطبرق فى إقليم برقة. وسكان كل هذه المدن كانوا يعنون بالتجارة وما تحمل إليهم القوافل من السودان والجنوب وما تحمل إليهم السفن من عروض البحر المتوسط شرقا وشمالا. وكانوا يعنون-إلى جانب ذلك ببعض الصناعات اليدوية وصيد البحر، ويصف ابن حوقل-فى القرن الرابع الهجرى-طرابلس قائلا:«بها من الفواكه الطيبة اللذيذة كالخوخ والكمثرى اللذين لا شبه لهما بمكان، وبها الجهاز الكثير من الصوف والأكسية الفاخرة الزرق والكحل النفوسية السود والبيض الثمينة» ولا يلبث أن يذكر النشاط التجارى بها قائلا: «إلى مراكب ترسو ليلا ونهارا وترد بالتجارة على مر الأوقات والساعات صباحا ومساء، من بلد الروم وأرض المغرب، بضروب الأمتعة والمطاعم» ويقول البكرى:
«لطرابلس أسواق حافلة جامعة». ويضعف نشاط طرابلس التجارى حين اكتسحتها موجات الهجرة الأعرابية فى منتصف القرن الخامس الهجرى، ويعود إليها نشاطها فى التجارة مع استيلاء دولة الموحدين إليها وعودة الأمن والاستقرار إلى ربوعها، وظلت إلى اليوم أهم مدينة تجارية فى ليبيا.
وكانت برقة منذ نزلها اليونان وأسّسوا بها المدن الخمس المذكورة آنفا تلعب دورا كبيرا فى التجارة بليبيا، وحين نزلها ابن حوقل كانت لا تزال مدينة برقة (المرج منذ أواسط القرن السابع