مفهومة، إذ كان لسان المغاربة بالقياس إلى الرومان أصواتا مبهمة لا يفهمونها. وحين فتح العرب البلاد المغربية وجدوا هذا الاسم «البربر» يطلق على سكانها، فاستخدموه، ومن الغريب أن فعل بربر فى العربية بمعنى قريب من المعنى الإغريقى، إذ يراد به التمتمة فى الكلام بحيث لا يفهم.
ويقسّم النسّابون هذه الأمة الضخمة من حيث أسلوب الحياة إلى حضر وبدو رحّل، ويسمون الأولين البرانس وهم سكان المدن الشمالية مثل هوارة ونفزاوة فى ليبيا وتونس وكتامة وصنهاجة فى الجزائر ومصمودة فى المغرب الأقصى. ويسمون الثانيين الرحّل باسم البتر وهم سكان الهضاب والصحارى مثل لواته فى برقة ونفوسة فى طرابلس. والمظنون أن أهل ليبيا كانوا يعيشون أولا على الترحال وراء المراعى، حتى قدم عليهم الفينيقيون فى طرابلس واليونان فى برقة، فأنشئوا المدن وأخذ الليبيون يستقرون فيها وفيما وراءها من السهول والوديان. ونزل القرطاجيون مع الفينيقيين فى طرابلس، واكتسح الرومان طرابلس وبرقة جميعا. وبذلك تكاثرت العناصر التى نزلت ليبيا قديما من الفينيقيين والقرطاجيين واليونان والرومان ونزلتها -وظلت تنزلها-سلالات من الزنوج منذ زمن الفينيقيين بعامل الاتجار فى الرقيق ومن أجل الانتفاع بهم فى المزارع والمراعى، وكانوا يكثرون فى فزّان. ونزلت ليبيا فى زمن القرطاجيين- منذ القرن الثالث قبل الميلاد-جماعات من اليهود، وبالمثل بعد تخريب تيتوس لمعبد بيت المقدس سنة ٧٠ للميلاد. ونزلتها فى القرن الخامس الميلادى جماعات من الواندال الألمان.
ونزلها لخدمة الكنائس المسيحية بها بعض رهبان القبط المصريين. ومعنى ذلك أن سلالات ليبيا الأصيلة من البربر وفدت عليها عناصر جنسية أجنبية كثيرة من قارات العالم الثلاث القديمة:
من آسيا ممثلة فى الفينيقيين والقرطاجيين واليهود، ومن أوربا ممثلة فى الإغريق والرومان والواندال، ومن إفريقيا ممثلة فى الزنوج والقبط المصريين. وهذا كله قبل الفتح العربى، وأخذ ينزلها معه وبعده مزيد من الأجناس الوافدة وخاصة من العرب وجيوشهم الباسلة ومن كان بها من الفرس والعراق والشام ومصر. ولا ننسى هجرة العرب الكبرى إلى ليبيا وإفريقيا فى القرن الخامس الهجرى وقد استوطن بنو سليم برقة. ومنذ القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) أخذ ينزلها أندلسيون كثيرون فى أثناء سقوط مدنهم فى حجر الإسبان، وتكاثر نزولهم فى أوائل القرن السابع عشر الميلادى حين أخرج الإسبان من بقى بديارهم من المسلمين. ونزلت طرابلس بعض أسر إسبانية حين احتلها الإسبان سنة ٩١٦ هـ/١٥١٠ م وبالمثل نزلتها أسر مالطية كثيرة حين احتلها بعدهم فرسان مالطة. وفى العهد العثمانى الذى ظل حقبا متطاولة نزل طرابلس وليبيا كثير من الترك والأسر التركية بجانب من نزلوها من الانكشارية وجنود الترك سوى عناصر الأكراد والشركس.