اسمه نصر بن أحمد، شاعر بصرى، كان أميّا لا يكتب ولا يقرأ، وكان يخبز خبز الأرز فى دكّانه بمربد البصرة يتكسب بذلك معاشه، وفى أثناء عمله كان ينشد أشعاره المقصورة على الغزل، والشباب والناس يزدحمون عليه لاستماع شعره، ويتعجّبون من حاله وأمره، وشعره يذيع فى الناس لقرب مأخذه وسهولته. وعنى بعض معاصريه ممن كانوا ينتابون دكّانه بجمع أشعاره، وجمعوا له ديوانا، وفى معهد المخطوطات بالجامعة العربية نسخة مصورة منه، ويقول المسعودى فيه:«أحد المطبوعين المجوّدين فى البديهة المعروفين بالغزل». ويقول أيضا:
«أكثر الغناء المحدث فى وقتنا هذا من شعره». والخبز أرزى بكل ما قدمنا شاعر شعبى بالمعنى الكامل، فهو من بيئة شعبية، صاحب صناعة وحرفة، وهو أمى لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وشعره يدور على كل لسان فى بلدته والشباب والصّبية ينشدونه فى كل مكان والمغنون يغنّون فيه على جميع آلات الطرب. وقدم بغداد فاستقبله أدباؤها وشبابها استقبالا حسنا لما كان قد سبقه إليهم من أشعاره الخفيفة السهلة العذبة. ومن الغريب أن نجد الثعالبى فى اليتيمة يقول إنه كان على وشك إهماله وطىّ أشعاره لسفسفة كلامه، لولا أن وجد من معاصريه من اهتم بجمع ديوانه، فرأى أن يضمّن كتابه «اليتيمة» لمعا من شعره علقت بحفظه، وفى الوقت نفسه رأى الإعراض عن التصفح لباقى شعره وترك الفحص فيه عما لا يصلح لإلحاقه باليتيمة من ملحه. وبذلك فوّت على نفسه عملا أدبيّا ونقديّا جليلا كان يمكن أن يضيفه لكتابه ولا ينقص منه، بل لعله يرفعه درجات، إذ يحتوى مادة شعرية شعبية كان جديرا أن تعرض كاملة، حتى يرى مدى ما حدث من تطور فى اللغة الشعبية البصرية بالقياس إلى الفصحى، سواء فى جوانبها اللغوية أو الأسلوبية، ويرى أيضا مدى ما ظل بينهما من تواصل. ولكن هذا غاب عن
(١) انظر فى الخبز أرزى وحياته وأشعاره اليتيمة ٢/ ٢٦٧ ومروج الذهب ٤/ ٢٥٩ وابن خلكان فى نصر بن أحمد والنجوم الزاهرة ٣/ ٢٧٦ وديوان المعانى ١/ ٢٧٢، ٢٩٧ وزهر الآداب ٢/ ١٣٧ وذيل زهر الآداب ص ١٤٩.