ذهنه. وأكبر الظن أنه إنما اختار أشعارا ليس فيها عامية. ومع ذلك فنحن نؤمن بأن الفوارق حينئذ بين العامية والفصحى لم تكن واسعة. ومن ملحه التى رواها له قوله:
خليلىّ هل أبصرتما أو سمعتما ... بأكرم من مولى تمشّى إلى عبد
أتى زائرا من غير وعد وقال لى ... أصونك عن تعليق قلبك بالوعد
فما زال كأس الوصل بينى وبينه ... يدور بأفلاك السعادة والسّعد
فطورا على تقبيل نرجس ناظر ... وطورا على تعضيض تفاحة الخدّ
وفى كلمة أصونك عن تعليق قلبك ما يصور رقّته وأنه يخشى عليه من تعلق قلبه بالانتظار، والبيتان الثالث والرابع جيدان فى التصوير. ومما روى له الثعالبى أيضا من ملحه قوله:
كم أناس وفوا لنا حين غابوا ... وأناس جفوا وهم حضّار
عرّضوا ثم أعرضوا واستمالوا ... ثم مالوا وجاوروا ثم جاروا
لا تلمهم على التجنّى فلو لم ... يتجنّوا لم يحسن الإعتذار
والأبيات زاخرة بجناسات وطباقات تدل على أنه كان يفقه صنعة الشعر وصناعة البديعيين فيها فقها حسنا. فوقوا تقابل «جفوا» وغابوا تقابل حضّار او بين كل كلمتين متعاقبتين فى البيت الثانى جناس وطباق محكمان، وحسن التعليل واضح فى البيت الأخير. والكلمات عذبة حلوة خفيفة. ومن ملحه قوله:
رأيت الهلال ووجه الحبيب ... فكانا هلالين عند النّظر
فلم أدر من حيرتى فيهما ... هلال الدّجى من هلال البشر
ولولا التورّد فى الوجنتين ... وما راعنى من سواد الشّعر
لكنت أظن الهلال الحبيب ... وكنت أظن الحبيب القمر
والخيال جميل، وأحاله إلى طرفة نفيسة حقا بتلك الحيرة التى انتابته فلم يدر أين هلال الدّجى وأين هلال البشر، ثم أخذ يتأمل، وبعد أناة طويلة لاحظ