للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٥ - ]

التجديد فى الأوزان والقوافى

سبق أن تحدثنا فى كتاب «العصر الإسلامى» عن مدى ما أثّر به الغناء المستحدث حينذاك فى موسيقى الشعر وألحانه، إذ ساد فيه نظم المقطوعات القصيرة فى الغزل وأخذ الشعراء يصفّون موسيقاهم حتى غدت بعض تلك المقطوعات أنغاما خالصة: نغمة حلوة بجانب نغمة حلوة. وقد مضى شعراء الغزل يعدلون غالبا عن النظم فى الأوزان الطويلة المعقدة إلى النظم فى الأوزان الخفيفة البسيطة، فإن ألموا بالأوزان الأولى جزّءوها غالبا حتى تحمل ما يريد المغنون والمغنيات من أنغام مجهورة أو مهموسة، ومن أجل ذلك أكثروا فيها من الخروق أو بعبارة أخرى من الزحافات، إكثارا نفذ منه الوليد بن يزيد إلى استكشاف وزن المجتث وصنع بعض المقطوعات فيه.

وانتقلت موجة هذا الغناء فى أواخر العصر الأموى إلى الكوفة، حتى إذا كان العصر العباسى الأول بلغت فى مدن العراق كلّ ما كان ينتظر لها من حدة وقوة، فمن جهة صفيّت لغة الشعر وبلغت كل ما يمكن من رشاقة وعذوبة ونعومة على نحو ما مرّ بنا فى أوائل هذا الفصل، ومن جهة ثانية اتسعت الملاءمات الموسيقية العروضية مع الغناء، فإذا القصيدة الطويلة تكاد تختص بالشعر الرسمى: شعر المديح والرثاء، بينما تشيع المقطّعات فى الغزل والهجاء والمجون والزهد والحكم. ومضى الشعراء ينظمون-على هدى الشعراء الأمويين-فى الأوران الخفيفة والمجزوءة وفى وزن المجتث الذى اقترحه الوليد بن يزيد، ومن خير من يمثّل ذلك مطيع بن إياس الكوفى فإننا حين نتصفح الشعر المبثوث فى ترجمته بكتاب الأغانى نجد كثرته من مجزوءات الخفيف والبسيط والرجز والكامل والرمل أو من الهزج أو من المجتث على شاكلة قوله (١):

ويلى ممّن جفانى ... وحبّه ند برانى


(١) أغانى (طبعة دار الكتب) ١٣/ ٢٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>