للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسرى جيوشها الغازية فى البلاد الأوربية، وكانت تعنى بتربيتهم تربية عسكرية إسلامية، وترسل إلى الجزائر-كما ترسل إلى ولاياتها الأخرى-بضعة آلاف منهم، وكانوا يتزوّجون من جزائريات أحيانا مما جعلهم يرتبطون بأسرهن وبالجزائر ارتباطا وثيقا. والمجتمع الجزائرى لا تتداخل فيه سلالات هذه العناصر الكثيرة فحسب، فإن القرصنة جلبت إليه كثيرا من العناصر الأوربية، ومرّ بنا أنها أخذت تتسع اتساعا شديدا منذ استطاع خير الدين وعروج أن يجعلا من البحر المتوسط فى القرن العاشر الهجرى بحرا عثمانيا، وكان النازحون المسلمون من إسبانيا يملئون قلوب البحارة الترك حماسة ليتسعوا ما استطاعوا بالقرصنة انتقاما من الإسبان والأوربيين، وكانوا يسحبونهم على وجوههم من البحر المتوسط بالآلاف إسبانا وفرنسيين وإيطاليين ويونانيين وكريتيين، وكان كثيرون منهم يعتنقون الإسلام وتردّ إليهم حرياتهم ويصبحون جزائريين دينا ولغة، ويندمجون فى أهل البلاد اندماجا تاما.

وواضح أن الجزائر دخلتها من قديم عناصر كثيرة إفريقية وآسيوية وأوربية بجانب سكانها الأصليين من البربر، وقد فتحتها وعاشت فيها أمم كثيرة: فينيقيون ورومان ووندال وبيزنطيون وعرب وترك، وقد أفادت منها جميعا فى نظمها وطرق معيشتها وزراعتها وصناعتها. وكان كل من ينزلها من هذه الأمم ويستوطنها لا يلبث أن ينفصل عن موطنه ويزايل صبغته الأولى ويذوب فى الجزائر لما تتميز به من قوة الشخصية والهويّة الراسخة.

٢ -

المعيشة (١)

كان أساس المعيشة فى الجزائر الزراعة ورعى الأنعام، وتأتى بعد ذلك الصناعات اليدوية والملاحة وما ارتبط دائما بها من الصيد فى البحر ومما تحولت إليه فى أواسط العصر من القرصنة. والإقليم يموج بطيبات الرزق، ونستطيع أن نتمثل ذلك بوقوفنا أولا عند النواحى الزراعية فى مدن الساحل الشمالى ثم فى المدن الداخلية وما وراءها من المدن الصحراوية. وإذا سرنا فى الساحل من الشرق إلى الغرب لقيتنا مدينة القالة، وكانت تسمى قديما مرسى الخزر، وتليها مدينة بونة ومرّ بنا أن القديس أو غسطين كان أسقفا لها فى عهد الرومان، وهى تقع وسط سهل زبرجدى بالقرب من مصب نهر سيبوز وبها صهاريج رومانية قديمة. وكان الرومان


(١) راجع فى المعيشة كتاب أبى عبيد البكرى: المسالك والممالك وابن حوقل بنفس العنوان (وصفة المغرب وأرض السودان ومصر-مقتبس من كتاب نزهة المشتاق) وكتاب الجغرافيا لابن سعيد بتحقيق إسماعيل العربى ومعجم البلدان لياقوت وتاريخ بنى زيان للتنسى تحقيق الأستاذ محمود بو عياد وكتاب وصف إفريقيا للحسن الوزان ترجمة د. عبد الرحمن حميدة (نشر جامعة الإمام محمد بن سعود) وكتاب الجزائر لأحمد توفيق المدنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>