للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنهم اتخذوا لهم كتابا يحذقون العربية. أما من عداهم فظل يتخذ التركية فى المعاملات الرسمية، وبدون ريب أضعف ذلك من شأن الكتابة الديوانية العربية التى كانت تلتفّ حولها طبقة من الكتاب الممتازين المتنافسين، وكل منهم يحاول الامتياز على زملائه فى براعته الأدبية، أما فى هذا العهد فلا تنافس، وحسب الكاتب أن يكتب بلغة مسجوعة لا تخلو من ضعف وركاكة أحيانا. ومن رسالة لكاتب يسمى محمدا القالى قدمها إلى محمد بكداش طالبا منه بعض العون، وفيها يقول (١):

«جلّ الله تعالى مالك الملك ومقيم قسطاس العدل بما أراده من إعزاز السادات الترك، جمع سبحانه وتعالى بهم كلمة الدين الحنيف، وآثرهم بهذا الملك الكبير وهذا العز المنيف، وشرفهم بما وهبهم من الرتب العالية وهم أصل للرفعة والتشريف، وخصهم بمكارم الأخلاق ونزاهة الأقدار، وجعلهم بهذا القطر رحمة للعباد، وأخمد بشوكتهم نار الفتنة والعناد، فسلكت بهم السّبل وأمنت بهم البلاد، لطفا منه سبحانه بهذه الأقطار، نسأل الله أن يبقى جنابهم السعيد عاليا على كل جناب، وأن يخلّد الملك فيهم على مرور الدهور وانقضاء الأعمار. . وبعد فإن الله تعالى منّ على المسلمين بسيدنا مولانا سلطان الملوك والأكابر، المخصوص بأفضل الشمائل والمآثر، الإمام العادل، السلطان الفاضل، العالم العامل، صلاح الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، الذى أطلعه الله فى سماء الجلالة بدرا، ورفع له فى درجات الأمراء قدرا، وأجرى له على ألسنة الخلق ثناء جميلا وذكرا، فأصبح الدين مبتهجا بكريم دولته، وجناب الكفر مهتضما بعظيم صولته».

وواضح ما يجرى فى الرسالة من التكلف الشديد، فالترك أهل الرتب العالية ولكن الصيغة لا تتم من حيث السجع فيضيف إليها قوله: «وهم أصل للرفعة والتشريف. ويطيل العبارة بعدها حتى يقع على سجعة: «للعباد» واستعصت عليه سجعة الراء بعدها فأطال العبارة حتى تمكن من إيرادها بقوله: «الأقطار». وقد أكثر من ألقاب محمد بكداش وأوصافه وبالغ ما شاءت له المبالغة مع كثرة الأدعية. وكل ذلك تكلف وتمحل فى الرسالة، وكأنما أصبح من الصعب أن تعود إلى الرسالة الديوانية حيويتها ونضرتها القديمة.

٣ -

الرسائل الشخصية

يبدو أنه لم يكن بالجزائر اهتمام مبكر بتسجيل الرسائل الشخصية، ولولا أن الإباضية


(١) تاريخ الجزائر الثقافى ٢/ ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>