للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو طبعا يقصد نفرا من المتصوفة حادوا عن طريق التصوف وانحرفوا عن واجباته ومسئولياته، وتورطوا-كما يقول فى القصيدة-فى بعض الآثام، وكان يؤذيه منهم من يدعون الجنون وتظنهم العامّة أقطابا وأولياء، حتى إذا ماتوا شادوا لهم أضرحة وجعلوها مزارا، يقول:

ليتنا لم نعش إلى أن رأينا ... كلّ ذى جنّة لدى الناس قطبا

علما هم به يلوذون بل قد ... تخذوه من دون ذى العرش ربّا

إذ نسوا الله قائلين فلان ... عن جميع الأنام يفرج كربا

وإذا مات يجعلوه مزارا ... وله يهرعون عجما وعربا

وكأننا بإزاء داع مصرى يدعو ضد الصوفية ومن كانت تسميهم العامة بالمجذوبين وتقيم لهم الأضرحة والمزارات وتطلب منهم الدعاء أحياء وتقدم لهم النذور أمواتا. ومع كثرة أشعاره فى هذا الجانب لم تترك وراءها فى مصر أثرا. على أننا نجده يوجه ذمه وهجاءه-ظلما وعدوانا-لبعض رجال الدين كما وجهه إلى المتصوفة، وهو فى ذلك كله يسرف فى هجائه وذمه، فلا رجال الدين انصرفوا عن التقوى ولا المصريون اتخذوا أقطاب الصوفية أربابا.

[٣ - شعراء الطبيعة ومجالس اللهو]

عاش شعراء مصر على ضفاف النيل وفى وديانه ورياضه، ينعمون بمياهه المتدفقة العذبة وبما ينشئ من غروس وزروع وثمار وأزهار، وهو يجرى نافثا لعابه من حوض إلى حوض، باثا الحياة والجمال فى كل ما يمسه، مما جعل العرب يلقبون مصر حين فتحوها بأنها فردوس الدنيا. وقد وصفها القرآن الكريم بأنها جنات وعيون وزروع ومقام كريم. وفى كل مكان نعم الشعراء بهذه الجنات يسرّحون الطرف فيها والخيال، فتتكون لديهم حاسة الجمال، ويتعمقهم الشعور بما خصّ الله ديارهم من هذا النعيم الذى يقصر أى وصف عن تصويره. وطبيعى أن يتردد ذكر النيل على ألسنة الشعراء وذكر مشاهد رياضه الفاتنة وقواربه وسفنه الشراعية. ويحدثنا ابن قيس الرقيات حين زار مصر لعهد واليها عبد العزيز بن مروان فى العصر الأموى عن رحلة نيلية له من الفسطاط إلى حلوان. وعنى شعراء مصر بعده بوصف مثل هذه الرحلة ووصف النيل وزوارقه وسفنه، غير أن الشعر المصرى فى عصر الولاة لم يبق منه القليل وإلا بقية تتصل بالأحداث والولاة والقضاة

<<  <  ج: ص:  >  >>