للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يصوره يقعد عن كل خير، ويبادر بكلام فيه حذق ولطف وتنميق دون أن تكون فيه فائدة وإذا وعد أخلف ولم يوف بوعده، ولا خير عنده ولا غناء فيه كالخز الذى ينسجه الماء أحيانا على سطحه يروق النظر ولا أصل له، بل كزهرة الدفلى الحمراء تشوق العين ولا رائحة لها ولا عطر تنشره حولها

محمد (١) الرشيد الحسينى

من أهم ما يميز الحكم العثمانى فى عهد الدولة الحسينية التى امتد حكمها منذ سنة ١١١٧ للهجرة/١٧٠٥ للميلاد أن حسين بن على مؤسسها مع أنه كان تركى الأصل كان تونسى المولد والنشأة واللغة فأخذ يعنى بتقاليد التونسيين هو وجميع أفراد أسرته كما عنوا بالحركة العلمية فى جامع الزيتونة وفيما أنشئوا من مدارس كثيرة، وعنوا أيضا بالحركة الأدبية فضموا إليهم كثيرا من الشعراء وأغدقوا عليهم الأموال والرواتب، وشاركوا بأنفسهم فى الحركتين العلمية والأدبية، وقد اشتهر علىّ الأول بشرح له على كتاب التسهيل لابن مالك كما اشتهر على الثانى بمدارسته صحيح البخارى غير تعمقه فى النحو والفقه وأصول الدين والبيان كما تشهد مدائح الغراب الصفاقسى. واشتهر محمد الرشيد الذى استرد حكم تونس له ولإخوته بأنه كان شاعرا فذا كما كان موسيقارا كبيرا، وإليه يرجع فضل ترتيب الأغانى الشعبية التونسية والأندلسية المسماة باسم المألوف، وله ديوان شعر، ونراه فيه أيام غربته بالجزائر يفتخر بتونس وما نشر فيها أبوه من العلوم والآداب بمثل قوله عن تونس ويسميها باسمها القديم: ترشيش:

أقمنا بقدر الجهد قائم شرعنا ... فترشيش أضحى علمها يتدفّق

وجرّت ذيول الفخر عن نظرائها ... فلا الشام يحكيها وما هى جلّق

وما فى جميع الأرض مصر يفوقها ... وليس لنا نيل عليها محلّق

أبى الله أن تمحى ديار أعزّة ... وتدرس آثار المعانى وتمحق (٢)

فهو يفخر بأن أباه أقام فى تونس الشريعة وأحيا بها الآداب حتى غدت تفاخر الشام وعاصمتها جلق أو دمشق، ويرفعها فوق جميع البلدان العربية، رغم أن ليس فيها كمصر نيل يتدفّق، ويقول إن الله حفظها وصانها عن أن تعفى ديارها ورسومها. وتبتسم له الدنيا ويعود إلى تونس ويجلس على أريكتها ويشعر بفخر لا يضاهية فخر وينشد:


(١) انظر فى ترجمة محمد الرشيد المشرع الملكى والتاريخ الباشى والخلاصة النقية للباجى المسعودى ومجمل تاريخ الأدب التونسى ص ٢٣٦.
(٢) تدرس: تمحى.

<<  <  ج: ص:  >  >>