للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونمتم عن طلاب المجد حتى ... كأنّ العزّ فيكم مضمحلّ

وما كسّرتم فيه العوالى ... ولا بيض تفلّ ولا تسلّ (١)

وتميم يستثير حمية القبيلة بذكر الثأر الذى يشتعل له الغضب فى صدر كل عربى، فالعار كل العار عند العرب أن لا يأخذوا بثأرهم وأن تطلّ دماؤهم وتذهب هدرا دون مناضل عنها يقتحم لها الموت اقتحاما. ويضرب للقبيلة على وترثان هو الذل، فالعربى الكريم لا يمكن أن يقبل الذل ولا الضيم، فقبل كل شئ عزة النفس، ومن أجلها تحطّم الرماح وتفل السيوف. ولا بد أن القبيلة امتلأت غيظا وحقدا على أعدائها، واندفعت تطلب ثأرها وتحامى عن كرامتها وعزتها باذلة المهج والأرواح. وينشد متحمسا غاية التحمس:

بكرّ الخيل دامية النّحور ... وقرع الهام بالقضب الذّكور (٢)

لأقتحمنّها حربا عوانا ... يشيب لهولها رأس الكبير (٣)

فإما الملك فى شرف وعزّ ... علىّ التاج فى أعلى السّرير

وإما الموت بين ظبا العوالى ... فلست بخالد أبد الدهور (٤)

فسيظل تميم يدفع الخيل فى موقعة بعد موقعة وقد تلطخت نحورها وصدورها بدماء الأعداء، وسيظل يضرب فى رءوسهم وأعناقهم بسيوفها الحادة مشعلا مع أعدائه حروبا ضارية يشيب لهولها كل من يراها، ويقول إنه لن يغادر ساحة هذا الشرف والعز، فإما يحمى التاج على رأسه ويصونه، وإما الموت الزؤام بين الرماح والسيوف، أو بعبارة أخرى إما حياة شريفة عزيزة، وإما موت أيضا شريف عزيز، موت الأبطال الكرام. ومن طريف ما لتميم فى هجاء منافق:

رأيتك قاعدا عن كل خير ... وأنت الشهم فى قالوا وقلت

وأطوار لها لطف وحذق ... وألفاظ تنمّقها وسمت

وقد يعد الوعود وليس يوفى ... وليس بقائل يوما فعلت

كخزّ الماء فوق الماء طاف ... يروق وماله أصل ونبت (٥)

كذلك زهرة الدّفلى تراها ... تشوق العين حسنا وهى سحت (٦)


(١) العوالى: الرماح. بيض: سيوف.
(٢) القضب الذكور: السيوف الحادة القاطعة.
(٣) الحرب العوان: الحرب المكررة مرة بعد أخرى.
(٤) ظبا: جمع ظبة: حد الرمح القاطع.
(٥) خز الماء: الطحلب.
(٦) الدّقلى: نبت مر زهره أحمر، السحت: الخبيث الكريه.

<<  <  ج: ص:  >  >>