مؤلف هذا الكتاب ابن عربشاه أحمد بن محمد الدمشقى الحنفى، ولد بدمشق سنة ٧٩١ ونشأ بها وطلب العلم فيا، حتى كانت طامّة تيمور ومحاصرته لدمشق ونهب جنوده التتار لها وإشعالهم النيران فيها، مما جعل أسرة ابن عرب شاه ترحل إلى الأناضول، ومنها رحلت إلى إيران وأو غلت إلى سمرقند عاصمة تيمور، واستوطنها ابن عربشاه مدة. وحبّبت الرحلة ولقاء الشيوخ إليه، فطاف بكثير من البلدان وأخذ عن علمائها وأدبائها، واستقر فى الأناضول أو آسيا الصغرى عند السلطان العثمانى محمد الأول (٨٠٥ - ٨٢٤ هـ) وولاه ديوان الإنشاء فكان يكتب عنه إلى أمراء الأطراف باللغات الثلاث التى كان يحسنها: العربية والفارسية والتركية، وترجم له عن الفارسية كتاب جوامع الحكايات لمحمد عوفى الذى أتم تأليفه سنة ٦٣٣ للهجرة، ويقال إن عدد حكاياته كان يزيد على ألفى حكاية. وعاد بعد وفاة هذا السلطان العثمانى إلى الشام وأقام بحلب، وخلص حينئذ للدرس والتصنيف. وهاجر إلى القاهرة فى عهد السلطان الظاهر جقمق (٨٤٢ - ٨٥٧ هـ) ومر بنا فى الفصل الثانى أنه كتب له سيرة، وتحتفظ دار الكتب المصرية منها بمخطوطة. ومر أيضا أنه كتب سيرة لتيمور سماها عجائب المقدور فى نوائب تيمور، وهى مسجوعة، وطبعت مرارا. وكان يحسن النظم والنثر ويجيد الكتابة-كما أسلفنا-فى العربية والفارسية والتركية، وصنف فى الفارسية كتابا على غرار كتاب محمد عوفى سماه «مرزبان نامه» طبع قديما، وعنه نقل كتابه «فاكهة الخلفاء» نثرا مسجوعا. وتوفى بالقاهرة عام ٨٥٤ للهجرة.
وكتابه «فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء» يشتمل على حكايات كثيرة، وهى موزعة على عشرة أبواب مروية عن الشيخ أبى المحاسن حسان يرويها عن الحكيم «حبيب»، وهو الابن الصغير لملك، ترك خمسة إخوة تملك أحدهم وأطاعه إخوته، ثم دب الحسد فى نفوسهم، فرأى أخوهم الصغير «حبيب» اعتزالهم، فاستأذن أخاه الملك فى العزلة وذكر له أنه يعتزم تأليف كتاب يشتمل على فنون من الحكمة، فاستصوب رأيه غير أن وزيرا له شككه فى مقصد أخيه وأن ذلك منه مكر وخديعة، وأشار عليه أن يجمع بينه وبين حبيب ليظهر زوره ومينه أو كذبه. فجمع الملك
(١) طبع هذا الكتاب فى مصر مرارا وانظر فى ابن عربشاه النجوم الزاهرة ١٥/ ٥٤٩ والضوء اللامع للسخاوى ٢/ ١٢٦ وكذلك كتابه التبر المسبوك ص ٣٢٥ وشذرات الذهب ٧/ ٢٨٠ والبدر الطالع ١/ ١٠٩ ومقدمة كتابه: «فاكهة الخلفاء»