للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجماعة عرفت لعمرى بالسّفه ... وتمسّكت بضلال أهل الفلسفه

عدلت عن النهج القويم فلقّبت ... عدليّة وعدولها عن معرفه

ضلّت وقالت لن يرى ربّ الورى ... يوم الجزاء وألزمت نفى الصّفه

وكذاك أسلمت الأمور لنفسها ... هيهات تنقذ نفسها من متلفه

كيف السبيل لصرفها عن غيّها ... والعدل يمنع صرفها والمعرفه

وابن مرزوق الخطيب يرمى المعتزلة بالسفه، وأنهم ضلوا ضلال الفلاسفة الملحدين إذ عدلوا عن النهج القويم وسموا أنفسهم عدلية، لأن من مبادئهم وجوب العدل على الله جلّ شأنه، ويقول إنهم ضلوا حين نفوا رؤية الله يوم القيامة بينما أثبتها أهل السنة وقالوا إنها رؤية بلا كيفية. وينعى على المعتزلة قولهم بنفى الصفة عن الله وقولهم إن صفته هى عين ذاته. ويستبعد أن يستطيع المعتزلة إنقاذ أنفسهم من تلف العقيدة ويتمنى لو وجد سبيلا أو طريقا لهداهم، ولكن كيف ذلك وهم يؤمنون بالعدل على الله وغير ذلك من مبادئهم المخالفة لمبادئ أهل السنة. ونمضى إلى العهد العثمانى ونلتقى فيه بابن على المفتى الحنفى فى القرن الثانى عشر الهجرى، وكان شاعرا بارعا ونراه يهجو خصومه وحساده قائلا:

نصبوا حبائل مكرهم وتعرّضوا ... بسهامهم للنّجم فى كيوانه

من كل أهوج أرعن الأخلاق قد ... أربى على فرعون مع هامانه

أجلاف هذا العصر حقا لو رأوا ... حسّان ما جنحوا إلى إحسانه

إن أنكروا فضلى لخبث طباعهم ... فالدرّ ليس يعزّ فى أوطانه

وهو يقول إنهم نصبوا حبالات مكرهم وأرسلوا علىّ سهام هجائهم ولكن أنّى لهم، إنهم يحاولون أن يصيبوا نجما لا يستطيعون الوصول إليه، نجما شديد البعد هو كيوان أو زحل وهل منهم إلا أهوج أو أحمق قد زاد على فرعون ووزيره هامان فى بهتانه، إنهم أجلاف لا يقدرون الشعر ولا الشاعر حتى لو كان حسان بن ثابت شاعر الرسول فى روعة بيانه، ويقول إنهم إن أنكروا فضلى لخبث طباعهم وضمائرهم، فالدر لا يعرف فضله فى وطنه. وكان ولاة العثمانيين يبطشون أحيانا بالجزائريين، وكان الشعراء يوجهون إليهم سهام هجاء كثيرة من شعرهم الفصيح والشعبى على نحو ما كان يصنع سعيد المنداسى، وهو حرى بالترجمة له مع بكر بن حماد التاهرتى الذى مر بنا ذكره.

بكر (١) بن حماد التاهرتى

تقع تاهرت مسقط رأس حماد فى الجنوب الغربى من مدينة الجزائر، ومرّ بنا فى غير هذا


(١) انظر فى ترجمة بكر رياض النفوس للمالكى ومعالم الإيمان للدباغ ٢/ ٩٢ والأزهار الرياضية لسليمان البارونى ٢/ ٧١ وما بعدها وتاريخ الجزائر فى القديم والحديث لمبارك الميلى ٢/ ٤٥٣. وقد جمع ديوانه وشرحه وقدّم له محمد بن رمضان شاوش باسم الدر الوقاد من شعر بكر بن حماد التاهرتى.

<<  <  ج: ص:  >  >>