أما فى السلم فدائما راكعون ساجدون لله وعلى وجوههم أثر السجود وعلاماته. ويوم النزال تظنهم أسدا وقد بدت رماحهم الطويلة فوقهم وكأنها غابة ضخمة. ويقول إنهم يبادرون إلى الحرب فيركبون خيولهم، وما هى إلا ساعات يغادرون بعدها ساحة الحرب وقد خلّفوا للنسور طعامها من لحوم أعدائهم، وتسيل الأرض بدمائهم وكأنما أنبتت جماجم ورءوسا لكثرة القتلى. ويشيد البنّا عقب ذلك بانتصاراتهم وإعلائهم لكلمة الله وإرضائهم لرسوله وقمعهم لأعدائهم، ويحث المهدى على غزو الخرطوم وإخراج الغواة المفسدين منها ضاربا له المثل بجهاد الرسول والصحابة ضد العتاة الظالمين، ويهنئ الشهداء من جيشه، فالحور العين تنتظر لقاءهم فرحا بهم، والجنات تزينت لقدومهم. والقصيدة شعلة من الحماسة الملتهبة. وللبنّا قصيدة يمتدح بها عثمان دقنه قائد جيش المهديين فى شرقى السودان، وفيها يصور بسالة جنوده منشدا:
بعثت لهم همم الجهاد ملابس ... النّصر العزيز يمدّه التصويب
وأمدّهم جيش الملائك ناشرا ... رايات نصر للبلاد تجوب
فسيوفهم مسلولة ورماحهم ... مسنونة وعدوّهم مرعوب
وعدوّهم دوما يغصّ بريقه ... والرعب منهم للقلوب يذيب
إن نوزلوا كانوا الليوث معاركا ... أو غولبوا فعدوّهم مغلوب
أو حوربوا فالرّعب من أعوانهم ... دوما وعقل عداتهم مسلوب
وهو يقول: كأنما همم الجهاد القعساء أرسلت إليهم ملابس النّصر ترافقها إصابة الأهداف، بل لقد زوّدهم جيش الملائكة برايات نصر نشرها فى البلاد، وسيوفهم مسلولة من أغمادها ورماحهم مسنونة قاطعة، وأعداؤهم غاصّون بريقهم من شدة رعبهم، بل ليكاد الرعب يذيب قلوبهم. وإن نوزلوا فى معركة كانوا أسودا وإن غولبوا غلبوا وقهروا الأعداء قهرا، أو حوربوا كان الرعب من أنصارهم دائما، ودائما كان عقل أعدائهم مسلوبا من هول حربهم ونزالهم الضارى.
٣ -
شعراء الفخر والحماسة
مرت بنا أشعار حماسية زمن الدعوة المهدية لمحمد الطاهر المجذوب ومحمد عمر البناء، ونلتقى بالشاعر يحيى السلاوى السودانى يرحل إلى مصر للمشاركة فى الثورة العرابية، وسنفرد له ترجمة عما قليل، نعرض فيها له قصيدة حماسية. وتلقانا عند عثمان هاشم حماسية بديعة فى حرب مصطفى كمال لليونان وإخراجهم على وجوههم مدحورين من الأناضول، وسنخصه