للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعايشى، وقرّبه منه، وجعله بمنزلة مستشار له، ولما انتهى عهد التعايشى والدعوة المهدية عيّنته الحكومة الثنائية قاضيا ثم مفتّشا للمحاكم الشرعية إلى أن لبّى نداء ربه. وكان شاعرا مجيدا، بل كان أبرع شعراء السودان فى زمنه، ويتميز بأسلوب جزل رصين، وشعره فى المهدى والدعوة المهدية يكتظ بحماسة قوية على نحو ما نرى فى تائيته التى طارت شهرتها، وهو يستهلها بقوله:

الحرب صبر واللقاء ثبات ... والموت فى شأن الإله حياة

والجبن عار والشجاعة هيبة ... للمرء ما اقترنت بها العزمات

والصبر عند البأس مكرمة ومق‍ ... دام الرجال تهابه الوقعات

والفخر كلّ الفخر بيع النّفس لل‍ ... هـ العلىّ وأجرها الجنّات

إن الجهاد فضيلة مرضيّة ... شهدت بمحكم أجرها الآيات

قد حاز هذا الافتخار جميعه ... صحب الإمام السادة القادات

وهو يقول لأنصار المهدى محمسا لهم: الحرب صبر واللقاء ثبات واستماتة، وإنها لحرب عظيمة فى نصرة دين الله، والجبن والقعود عنها عار لا يماثله عار، وما أعظم الشجاعة المقترنة بالعزيمة وما أعظم الصبر حتى الموت، بل إن الموت ليهاب شجعان الرجال، وإن بيع النفس لله العلى فخر لا يماثله فخر لعظم الأجر من الجنات ونعيمها الخالد، إنها ليست حربا بل جهادا فى سبيل الله ودينه الحنيف الذى نزل القرآن الكريم بمحكم أجره وثوابه من مثل قوله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْااتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} ويقول إن هذا الفخر جميعه حازه صحب المهدى وقواده. ويشيد بجهادهم فى نشر الدعوة المهدية منشدا:

قوم إذا حمى الوطيس رأيتهم ... شمّ الجبال، وللضعيف حماة

ولباسهم سرد الحديد وبأسهم ... شهدت به يوم اللّقا الغارات

وخلوقهم صدأ الدروع، لحزمهم ... قتل الأعادى عندهم عادات

فى السّلم تلقاهم ركوعا سجّدا ... أثر السجود عليهم وسمات

وتخالهم يوم الجلاد ضراغما ... أسد وأسل رماحهم غابات

ركبوا الجياد وغادروا شلو العدا ... رزق النّسور ولحمهم أقوات

والأرض سالت بالدماء وما بها ... غير الجماجم والشعور نبات

فهم قوم بواسل إذا دارت رحا الحرب رأيتهم جبالا شاهقة لا ينالها أحد، وهم مع ذلك حماة لكل ضعيف يأخذون بيده، لباسهم دروع متينة النسج، والغارات تشهد بشجاعتهم الخارقة، وليس لهم طيب إلا صدأ الدروع، مع اكتمال حزم فى قتل الأعادى والتنكيل بهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>