للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهدأت الأمور بإفريقية واستقرت طوال عهده، وكان أديبا، وأسبغ عطاياه على الشعراء ووفدوا عليه من المشرق، وأحدث فى القيروان حركة أدبية واسعة، وجدّد جامع عقبة الأعظم بها، وازدهر فى عهده العمران. وظل واليا على إفريقية التونسية ونوميديا أو شرقى الجزائر حتى قسنطينة والزاب ستة عشر عاما كانت أعوام رخاء وهدوء بالمغرب إلى أن توفى سنة ١٧١ هـ‍/٧٨٧ م وتولى بعده أخوه روح بن حاتم، وكان لا يقل عن أخيه شجاعة وبطولة وحنكة سياسية، ونعمت إفريقية التونسية والزاب فى أيامه باطراد الهدوء والرخاء وفى عهده تأسست الدولة الإدريسية الحسنية فى وليلى جنوبى طنجة بالمغرب الأقصى، وتوفى سنة ١٧٤ هـ‍/٧٩١ م وخلفه ابنه الفضل حتى سنة ١٧٩ وخلفه هرثمة بن أعين أحد قواد الدولة العباسية العظام، ونشر فى الاقليم التونسى والطرابلسى الأمن والنظام، وبنى مدينة المنستير وقصرها الكبير سنة ١٨٠ واختار للزاب واليا إبراهيم بن الأغلب التميمى، وأعجب بشجاعته وحسن سياسته ودهائه، وعاد إلى بغداد سنة ١٨١ هـ‍/٧٩٧ م وخلفه محمد بن مقاتل العكّى إلى سنة ١٨٤ وكان ضعيفا سيّئ السياسة. واستشار هارون الرشيد هرثمة فيمن يوليه المغرب ويحسن القيام عليه وقمع ثوراته، فأشار عليه بإبراهيم بن الأغلب وامتدحه له طويلا، فارتضى ولايته عليه منذ سنة ١٨٤ هـ‍/٨٠٠ م وجعله له ولأبنائه من بعده آملا أن يكوّن به أسرة حاكمة له حكما سديدا كحكم المهالبة المذكورين آنفا.

(ب) الأغالبة (١)

كانت الجزائر تحظى حينئذ فى شرقيها (نوميديا القديمة) بدولة الأغالبة المستقلة، وكان منذ الفتح تابعا للقيروان، وكان يمتد غربى الإقليم التونسى إلى بجاية على البحر المتوسط ومنها إلى الصحراء جنوبا شاملا قسنطينة وإقليم الزاب وعاصمته طبنة. ونعم هذا القسم من الجزائر فى عصر الدولة الأغلبية بنهضة عمرانية وحضارية وعلمية شأنه فى ذلك شأن عاصمته الكبرى القيروان وما تحقق لحكامها الأغالبة من مجد حربى عظيم باستيلاء الأمير زيادة الله الأغلبى على صقلية سنة ٢١٢ هـ‍/٨٢٧ م ونقله هو وخلفائه من أسرته إليها الدين الحنيف العظيم والحضارة العربية المزدهرة وكل ما ارتبط بها من العلوم والصناعات. وكان ذلك فتحا عظيما للدولة الأغلبية ورعاياها فى الإقليمين التونسى والجزائرى، فرحل منهم كثيرون إليها ينعمون بما فيها من طيبات الأرض، مما عاد على التونسيين والجزائريين بخير وفير، مع شعورهم بغير قليل من العزة. وظل هذا الشعور يزداد قوة طوال أيام الأغالبة بفضل أسطولهم العظيم وغزواته


(١) انظر فى الأغالبة المصادر السابقة والجزء الثالث من كتاب أعمال الأعلام للسان الدين بن الخطيب والحلة السيراء لابن الأبار، وتاريخ الجزائر فى القديم والحديث لمبارك بن محمد الميلى والجزء الأول من كتاب ورقات عن الحضارة العربية بإفريقية التونسية للأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب وما كتبه فيه عن أمرائها.

<<  <  ج: ص:  >  >>