حين دخل العرب الشام وجدوا فيها أخلاطا من أجناس شتى لموقعها على أبواب آسيا الغربية وفى قلب الشرق القديم ولكثرة من نزلوها من الكنعانيين الفينيقيين ومن الفلسطينيين الأوربيين القدماء وكثرة المهاجرين إليها من البابليين والكلدانيين والحيثيين والآشوريين والآراميين والعبرانيين واليونانيين والرومانيين ومن العرب أنفسهم: الغساسنة وغير الغساسنة. وهذا الخليط من الاجناس فى الشام ربما هو الذى هيأها من قديم لأن تكثر فيها الدويلات والمدن المستقلة بعضها عن بعض.
وأخذ الإسلام سريعا يضم هذا الشتات الجنسى فى وحدة سياسية، بل سرعان ما أصبح لواء الشام يضم العالم الإسلامى جميعه فى وحدة عربية منذ رقى إلى عرش الخلافة معاوية مؤسس الدولة الأموية، إذ اتخذ دمشق حاضرة لهذا العالم، واتخذ من أهلها عونه فى الحكم وإدارة دفّة الأمور فى هذه الإمبراطورية المترامية الأطراف. وبذلك كانت كنوز هذه الإمبراطورية تتدفق إلى دمشق والشام وعاش أهلهما طوال العصر الأموى فى رخاء لم يبلغه هذا الاقليم فى أى عصر من عصوره.
ومر بنا وصف سريع لجغرافيتها وأنها كثيرة الأنهار والوديان والعيون والزروع، ومن قديم تنتج العنب والفواكه وصنوف النّقل من فستق وغير فستق إلى ما تنتج من قمح وغير قمح. ومن قديم أيضا عنى أهلها بالصناعات: صناعات الخزف الملون والخشب المحفور أثاثا وغير أثاث والمعادن والأسلحة سيوفا وغير سيوف والزجاج الملون والقاشانى ونقش الفولاذ بالذهب والفضة ونسج الأقمشة والعمارة.
وحياة الشام بذلك كانت تقوم على إتقان كثير من الصناعات والزروع، وأيضا على المهارة فى التجارة، وكانت نافذة كبرى لتبادل تجارات آسيا وأوربا من قديم، وظلت تجاراتها تكوّن مصدرا أساسيّا لثروتها فى عهد الفينيقيين وبعدهم حتى احتلال العثمانيين لديارها، فقد كانت من أعتق
(١) انظر فى مجتمع الشام كتب التاريخ العام وفتوح البلدان للبلاذرى وأدب الكتاب للصولى وذيل تاريخ دمشق لابن القلانسى وثمرات الأوراق لابن حجة الحموى والجباية فى الشام لمحمد كرد على فى الجزء الأول من محاضرات المجمع العلمى العربى بدمشق.