للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هيفاء إن رقصت فى مجلس رقصت ... قلوب من حولها من حذقها طربا

خفيفة الوطء لو جالت بخطوتها ... فى جفن ذى رمد لم يشتك الوصبا

فالقلوب ترقص مع رقصها، وهى خفيفة الوطء للأرض فى رقصاتها حتى لو جالت بخطوتها الخفيفة فى جفن أرمد لم يحس بها فحسب، بل أيضا أزالت عنه ما يشكو من وصب الرمد- ويقول أبو بكر محمد بن على الكمونى فى وصف راقص (١):

ما إن رأيت كراقص ... مستظرف فى كل فنّ

يحكى الغناء برقصه ... كمراقص يحكى المغنّى

رجلاه مزمار وعو ... د فى نهاية كلّ حسن

فهو السرور لكل عي‍ ... ن والنعيم لكل أذن

وتدل المقطوعة دلالة قاطعة على أن الغناء كان قد ارتقى فى مصاحبة الرقص فنونا من الرقى، حتى ليقول ابن الكمونى عن هذا الراقص أن رجليه كانتا مزمارا له وعودا فهو يوقّع على ضرباتهما غناءه ويلحنه تلحينا دقيقا، فهو سرور برقصه لكل عين، وهو نعيم بغنائه لكل أذن. ونتوقف لنتحدث عن أبى عبد الله بن الطوبى وبراعته فى الوصف.

أبو عبد الله (٢) بن الطوبى

هو أبو عبد الله محمد بن الحسن بن الطوبى، كان صاحب ديوان الإنشاء فى عهد ثقة الدولة وأبنائه-كما يقول العماد-ومن ذوى الفضائل البلغاء، طبيبا، مترسلا، شاعرا. ويقول القفطى: «مقيم بصقلية يتولى الإنشاء نحوى أربى فى النحو على نفطويه وفى الطب على ابن ماسويه، وكلامه فى نهاية الفصاحة وشعره فى غاية الملاحة وله مقامات تزرى بمقامات البديع وإخوانيات كأنها زهر الربيع. كان بصقلية سنة خمسين وأربعمائة وأظنه عاش بعد ذلك مدة، وأورد ابن القطاع من نظمه كل مليح الحوك، صحيح السبك، فمن ذلك قوله فى نرجس:

أريد لأشفى سقم قلبى بنرجس ... فيذبل إن صافحته بتنفّسى

له مقلة كالتّبر، والجفن فضّة ... وقدّ كغصن البان فى ثوب سندس

ويدل العماد على براعته فى هذا الوصف للنرجس بأنه أتى فيه بأربع تشبيهات، كما يتضح فى


(١) الخريدة ١/ ١٠٤.
(٢) انظر فى ترجمة أبى عبد الله بن الطوبى الخريدة ١/ ٥٥ وإنباه الرواة للقفطى ٣/ ١٠٧ والمكتبة الصقلية ٥٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>