كان طبيعيا أن يظل نشاط الشعر بالأندلس محدودا زمن الولاة (٩٢ - ١٣٨ هـ) وصدر الدولة الأموية هناك حتى عهد الحكم الربضى (١٨٠ - ٢٠٦ هـ) لأن أكثر العرب الفاتحين للأندلس كانوا يمنية، والشعر إنما ينشط على ألسنة العدنانيين، وربما نظمت أشعار فى تلك الفترة لم يسجلها الرواة، ومع ذلك فقد حدثونا عن شاعر مضرى مبكر فى عصر الولاة لم يلحق زمن الدولة الأموية هو جعونة الكلابى كان مدّاحا للصّميل بن حاتم مستشار يوسف بن عبد الرحمن الفهرى والى الأندلس منذ سنة ١٢٩ للهجرة، وأنشدوا بعض شعره، كما أنشدوا أشعارا لعبد الرحمن الداخل مؤسس الدولة الأموية وابنه الأمير هشام وحفيده الحكم الربضى. ويظل الرواة ينشدون أشعارا لأمراء البيت الأموى. وقد أخذ هذا البيت القرشى فى رعاية الشعر منذ أول ولايته فى الأندلس، ويذكرون من الشعراء فى عصر الداخل قاضيه معاوية بن صالح وابن عم جده بشر بن عبد الملك المروانى الداخل إلى الأندلس فى صدر أيامه وحبيب بن عبد الملك المروانى وكانت له عند الداخل مكانة عليّة. واشتهر من الشعراء فى عهد الأمير هشام أبو المخشىّ عاصم بن زيد المتوفى فى دولة ابنه الحكم الربضى، واشتهر لزمن الحكم غربيب بن عبد الله الثقفى الطّليطلى المتوفّى فى أول دولة عبد الرحمن الأوسط ابن الحكم (٢٠٦ - ٢٣٨ هـ) وعهده يعدّ-كما مر بنا-بدء الازدهار الحضارى والثقافى بالأندلس، وأيضا بدء الازدهار الأدبى، وحظى بنزول زرياب فى قرطبة لأول حكمه، ودفعه لنهضة غنائية وموسيقية تحدثنا عنها فى غير هذا الموضع. ورافق ذلك نشاط واسع للشعر وإعزاز لمكانته ورعاية متصلة من عبد الرحمن الأوسط لشعرائه، ونعد من مشهوريهم عباس بن ناصح قاضى الحكم الربضى على شذونة والجزيرة، ومرّ بنا-فيما أسلفنا- أن عبد الرحمن الأوسط وجّه به إلى العراق فى التماس الكتب القديمة التى تحمل علوم الأوائل فجلب منها إلى الأندلس كنوزا كثيرة أكبّ عليها الأندلسيون، وبدءوا نهضتهم فى إساغة تلك العلوم ثم الإضافة إليها-فيما بعد-إضافات باهرة. ومن مشهورى الشعراء أيضا فى هذا العهد يحيى الغزال الذى بدأ ظهوره فى عهد الحكم الربضى وعاش طويلا حتى سنة ٢٥٠ للهجرة، ومثله عباس بن فرناس صاحب قصة الطيران المشهورة، وقد نجم فى عهد الحكم وعاش حتى سنة ٢٧٤. وكان يعاصرهما عبد الله بن الشّمر منجم الأمير عبد الرحمن الأوسط ونديمه وعثمان بن المثنى مؤدب أبنائه، ومثله