للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الروعة كمنارة الخير الدا التى شيدها فى جامع إشبيلية، وترى زوجته بعد أن شيّدها أن تبيع حليها الذهبية الخاصة وما تملك من أحجار كريمة وكل ما قدمه لها زوجها عند اقترانه بها، وتأمر-كما ذكرنا فى غير هذا الموضع-أن يصنع بثمنها جميعا ثلاث تفاحات ذهبية تعلو قمة المنارة ليكتمل رونقها. وطبيعى أن تزدهر الدراسات الدينية واللغوية بهذين الجامعين فى عصر الموحدين وبعدهم وأن ينافسا جامع القرويين فى الحركة العلمية، وتنافسه معهما الجوامع الكبرى فى سجلماسة وتارودنت ومكناس وتازة وسبتة وطنجة وأصيلا وسلا. وكانت لهذه الجوامع أوقاف تدرّ عليها ما يفى بالنفقة على شيوخها وتلاميذها.

[المدارس]

معروف أن أول من أشاع نظام المدارس فى المشرق نظام الملك وزير السلطان السلجوقى ألب أرسلان (٤٥٥ - ٤٦٥ هـ‍) إذ شيّد طائفة منها فى بلدان مختلفة بالعراق وإيران، ووقف على كل مدرسة أوقافا كثيرة تفى بنفقات أساتذتها وطلابها ومكتباتها وعيّن فى كل مدرسة أساتذة فى مختلف العلوم الدينية واللغوية والرياضية وكانت كل مدرسة من هذه المدارس تسمى بالنظامية، وأشهرها نظامية بغداد، وقد زارها ابن بطوطة سنة ٧٢٧ ووصف ما بها من الحياة العلمية. وطارت شهرة هذه المدارس النظامية فى العالم الإسلامى منذ تأسيسها، ونرى يوسف بن تاشفين سلطان المرابطين الحصيف (٤٥٣ - ٥٠٠ هـ‍) يؤسس بمدينة فاس مدرسة عرفت-كما يقول الأستاذ كنون فى النبوغ المغربى-باسم مدرسة الصابرين.

ونظن ظنا أنه لا بد أن شيّد مدرسة ثانية فى عاصمته مراكش. فإذا تحولنا إلى عصر الموحدين وجدنا الأستاذ المنونى يذكر فى كتابه: «حضارة الموحدين»: أن عبد المؤمن مؤسس الدولة أسس فى مراكش مدارس، منها مدرسة لإعداد الموظفين فى الدولة، ومدرسة خاصة بتعليم أمراء الموحدين، وأسّس مدرسة بالرباط لتعليم فن الملاحة، وعنى حفيده يعقوب الموحدى بتأسيس المدارس لا فى المغرب الأقصى فحسب، بل أيضا فى إفريقية التونسية والأندلس. ويتحدث الحسن الوزان عن مدرسة شيّدت فى عهد الموحدين-ولعلها شيدت فى عهد يعقوب -بقصبة مراكش ويقول إنها أشبه بمؤسسة، إذ يلحق بها مساكن للطلاب، وفى رأيى أنه كان بها مساكن أيضا للأساتذة. ويقول إنها تشتمل على ثلاثين غرفة وفى الطابق الأرضى قاعة كانت تلقى فيها الدروس فى الماضى، وكان التلميذ فى هذه المدرسة يعفى من المصاريف، ويعطى كسوة، وكان الأساتذة يتقاضون راتبا شهريا فيها بين مائة ومائتى دينار حسب طبيعة الدروس التى يقومون بها. ويذكر أن مبنى المدرسة كان مزينا بالفسيفساء البديعة وزخارف متنوعة. ويقول الوزان إنه كان بها فى الماضى عدد كبير من الطلاب، وقلوّا الآن أى فى القرن العاشر الهجرى قلة شديدة، ويقول فى القصبة قصر مزخرف كان مدرسة لأبناء الخليفة

<<  <  ج: ص:  >  >>