للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمنصور فى هذه الخاتمة لرسالته يقول للقرافى شيخ المالكية فى مصر أنه مرسل له ببعثة علمية لينتقى لها كتبا نفيسة، مما ينبغى أن لا تخلو منها مكتبات فاس، ويسأله أن يرسل إليه بمؤلفه أو بشرحه على مختصر خليل بن إسحاق المصرى فى الفقه المالكى، وكانت له شهرة مدوية فى البلاد المغربية. ولعل فى كل ما سبق ما يدل-بوضوح-على أن محمد بن على الفشتالى كان كاتبا بارعا، وكانت وفاته سنة ١٠٢١ هـ‍/١٦١٣ م.

(هـ‍) محمد (١) بن الطيب العلمى

من الكتاب الشعراء فى أوائل عصر الدولة العلوية، لا يعرف تاريخ مولده، ولكن يعرف تاريخ وفاته إذ توجه إلى المشرق لأداء فريضة الحج، وفى الطريق صعدت روحه إلى بارئها فى القاهرة سنة ١١٣٤ هـ‍/١٧٢١ م وهو تلميذ الشاعر ابن زاكور وحامل لواء الأدب المغربى بعده لا فى فاس مسقط رأسه وحدها بل فى المغرب الأقصى جميعه. ومثل لداته التحق بكتاتيب فاس لحفظ القرآن الكريم، ثم أكبّ على حلقات العلماء فى جامع القرويين، وتفتحت موهبته الأدبية مبكرا، فنظم الشعر، وأنشأ قصائد مديح للسلطان إسماعيل، وطارت شهرته لا لما كان ينظم من أشعار فحسب، فقد كان يجيد نظم المسمطات والموشحات كما كان يجيد التأليف الأدبى على نحو ما يتضح فى كتابه «الأنيس المطرب فيمن لقيه مؤلفه من أدباء المغرب» وقد عرض فيه اثنى عشر أديبا من معاصريه، لعل أشهرهم أستاذه ابن زاكور، وفيه يقول:

«وحيد البلاغة، وفريد الصياغة، الذى أرسخ فى أرض الفصاحة أقدامه، وأكثر وثوبه على حل المشكلات وإقدامه، فتصرف فى الإنشاء، وعطف إنشاءه على الأخبار وأخباره على الإنشاء، وقرع (٢) الرجال، فى ميادين الارتجال». وله بجانب هذا الكتاب الطريف رسائل شخصية يزينها بسجعاته وما يختار لها من أشعار وبجناساته واستعاراته إذ كان أديب عصره غير منازع ولا مزاحم، وإحدى هذه الرسائل موجهة إلى صديقه محمد بن العربى الشرقى، وفيها يقول:

«بعد ما تستحقه تلك السيادة، الممنوحة بالحسنى وزيادة، من السلام الذى طابت نفحاته، وطالت غدواته وروحاته. . فإنه لما طال أمد الفراق، وبلغت الروح التراقى وظنّ أنه الحين وقيل: من راق، فكرت فيمن يفك من يد الأشواق أسرى، ويجبر بين الأصحاء كسرى فقلت:

وبى منك ما لو كان بالشمس لم تلح ... وبالبدر لم يطلع وباللّيل لم يسر


(١) انظر فى ترجمة ابن الطيب العلمى ورسائله ومقامته النبوغ المغربى ١/ ٣٢٤ و ٢/ ٢٢١ والوافى ٣/ ٧٨٩ والدكتور الأخضر ١٧٧.
(٢) قرع الرجال: فاز عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>