كان يحكم قرطاجة وإفريقية قبيل الفتح العربى بطريق بيزنطى يسمى جريجوريوس وسماه العرب جرجير، وحين رأى ضعف الدولة البيزنطية واستيلاء العرب على أكبر درّتين فى تاجها:
الشام ومصر صمّم على الاستقلال، فخلع طاعة بيزنطة وضرب الدنانير باسمه، وبينما هو غارق فى حلمه إذا الجيش العربى الفاتح للشام ومصر يستولى على برفة وطرابلس وتوابعها فى سنتى ٢٢ - ٢٣ هـ/٦٤٢ - ٦٤٣ م. ويتوفى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ويخلفه عثمان بن عفان فيولى على مصر عبد الله بن سعد بن أبى سرح ويأمره بغزو إفريقية، فيسير إليها فى عشرين ألفا من الصحابة والتابعين يتقدمهم نفر من الصحابة أو من أبناء كبارهم، مثل ابن أبى سرح الصحابى وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن العباس وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن جعفر وعبد الرحمن بن أبى بكر الصديق، ولذلك سمّى الجيش جيش العبادلة، ووصلت طلائع الجيش إلى إفريقية التونسية فى سنة ٢٧ هـ/٦٤٧ م واستولت على قابس، وكان جريجوريوس قد عرف أن العرب لا بد أن سينازلونه، فانسحب من قرطاجة إلى الداخل محتميا بحصن أنشأه البيزنطيون إلى الجنوب الغربى من القيروان يسمى سبيطلة وجمع إليه جيشا جرارا من البيزنطيين والبربر، يقال إنه كان مائة ألف، والتحم الجيشان وانتصر المسلمون وقتل جريجوريوس فى المعركة، قتله عبد الله بن الزبير، وفتحت إفريقية التونسية أبواب مدنها لسرايا الجيش العربى الباسل، وأسرع البيزنطيون والبربر فى كل مكان إلى طلب الصلح، وصالحهم القائد ابن أبى سرح على مقدار من المال، وكانت الوقعة حاسمة، فلم تقم بعدها لبيزنطة قائمة، ويقال إن ابن أبى سرح ترك بعد ذلك القطر التونسى وعاد إلى مصر دون أن يولّى عليها أحدا وهو قول غير صحيح، لأنه لم يحدث أن العرب فى فتوحهم الأولى فتحوا
(١) راجع فى الفتح وبقية الولاة والدولة الأغلبية كتاب فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم وتاريخ الطبرى وابن الأثير وتاريخ إفريقية والمغرب للرقيق القيروانى (قطعة منه طبع تونس) ومعالم الإيمان للدباغ وابن ناجى ورياض النفوس للمالكى والبيان المغرب لابن عذارى والقسم الثالث من كتاب أعمال الأعلام لابن الخطيب (طبع الدار البيضاء) وتاريخ ابن خلدون والمؤنس فى أخبار إفريقية وتونس لابن أبى دينار والحلل السندسية فى الأخبار التونسية للوزير السراج وخلاصة تاريخ تونس للأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب