يحكمه ولاة تابعون لهم من البربر، واشتهر من بينهم وال يسمى يوغرطة حارب الرومان وحاول الاستقلال ببلاده ووقع فى أيدى أعدائه فسجنوه بروما إلى أن قضى نحبه سنة ١٠٦ قبل الميلاد. وأخذت البلاد تستكين لروما، وأخذ بعض البربر ينشأ بها ويتعلم فيها مثل يوبا الثانى المتوفى سنة ٢٢ للميلاد. وهو جزائرى، وقبره بالقرب من شرشال، وله مؤلفات مختلفة باللاتينية فى تاريخ الرومان وفى الجغرافية والموسيقى. واندمج بعض البربر فى الحياة الرومانية واستطاعوا الوصول إلى أعلى الوظائف فى الدولة، حتى ليصبح أحد أباطرة روما ويجلس على عرشها سنة ١٩٣ للميلاد بربرى من مواليد لمطة على الساحل الإفريقى ويقال: بل من مواليد لبدة بجوار طرابلس، وهو سبتيموس سيفيروس. وتابعت روما قرطاجة فى العناية بالزراعة فى إفريقية التونسية وشق القنوات بها وإقامة السدود والخزانات والصهاريج والمواجل، مما جعل الزراعة تزدهر بها فى زمنهم الذى امتد نحو ستة قرون طوال. وتظل التجارة مزدهرة بها أيضا وتظل القوافل تنحدر إلى الجنوب لحمل السلع من السودان. وقد نزلتها-وعاشت فيها- أسر رومانية كثيرة. وحين اعتنقت روما المسيحية حاولت نشرها فيها، وابتنت لها بعض الكنائس، ويبدو أنها عملت على نشر لغتها اللاتينية، وقد ظلت حية فى بعض الألسنة بعد الفتح الإسلامى-كما سنرى-قرونا طويلة، وسنرى بعض الأمراء الأغالبة يتعلمونها، كما تعلمها المعز لدين الله الفاطمى.
وتأخذ الأحوال فى روما تسوء، حتى إذا مضينا فى القرن الخامس الميلادى زادت سوءا على سوء، مما جعل أحد ولاتها فى إفريقية المسمى بونيفاس يخرج عليها ويستغيث بقبائل الواندال الجرمانية التى كانت قد استولت على إسبانيا، وتقدم تلك القبائل، وتعيث فى إفريقية التونسية دمارا وفسادا لمدة مائة عام من سنة ٤٣٩ إلى سنة ٥٣٤ للميلاد، خرّبت فيها كل-أو أكثر- ما كانت تزدهى به البلاد من أسباب الحضارة والعمران مما أقامه بها الفينيقيون والرومان إلى أن خلصها منهم القائد البيزنطى بليزير Be? lisaire سنة ٥٣٤ للميلاد، وأصبحت إفريقية التونسية-من حينئذ-تابعة لقيصر بيزنطة (القسطنطينية) ويسمى العرب سكان هذه الدولة باسم الروم. وكانت بيزنطة تولّى على إفريقية حاكما عامّا يلقّب بالبطريق Patricius مقامه بقرطاجة، وأسندت إليه إصدار الأوامر والإشراف على الموظفين وعلى أداة الحكم والشئون المالية، وكانوا يتبعون سياسة خرقاء ظالمة فى فرض الضرائب الفادحة والجبايات والإتاوات الباهظة. ولم تعن بيزنطة-وبالتالى حكامها-بنشر لغتها اليونانية فى البلاد على نحو ما عنيت روما وحكامها-من قبل-بنشر اللغة اللاتينية، فلم تكن اليونانية تتجاوز ألسنة الموظفين والجند البيزنطيين، وظلت اللاتينية هى اللغة المسيطرة فى المدن الإفريقية: فى قرطاجة وسوسة وغيرهما بسبب ما كان فيها من جاليات رومانية كبيرة.