هو أبو الحسن السرىّ بن أحمد الكندى الموصلى، ولد لأسرة متواضعة، يدل على ذلك أننا نجد أباه يسلمه صبيا للرّفّائين، فكان يرفو ويطرّز، ويبدو أنه تعلم القراءة والكتابة فى صباه وحفظ القرآن أو بعضا منه واستظهر بعض الشعر، إذ يقول مترجموه عنه إنه بينما كان يعمل رفّاء فى باكورة شبابه كان ينظم الشعر ويجيده. ويبدو أنه أخذ يكبّ على دواوين الشعراء، وخاصة شعراء العصر العباسى المشهورين من أمثال أبى تمام والبحترى وابن المعتز وابن الرومى والمتنبى، يدل على ذلك بوضوح الفصل الذى عقده الثعالبى لسرقاته. وكأنه أحسّ أنه إنما خلق لكى يكون شاعرا لا لكى يكون رفّاء، ولم تكن حرفته تدرّ عليه إلا كفافا من العيش يسدّ به رمقه، وإلى ذلك يشير قائلا:
قد كانت الإبرة فيما مضى ... صائنة وجهى وأشعارى
فأصبح الرّزق بها ضيّقا ... كأنه من ثقبها جارى
واجتمع عزمه على أن يهجر حرفة الرّفو والتطريز إلى حرفة الأدب والشعر، واشتغل بالوراقة فكان ينسخ ديوان شعر كشاجم، إذ كان معاصروه يقبلون عليه إقبالا شديدا، ويعيش بما يأخذ من أجرة نسخه.
وكان معه فى الموصل فتيان أخوان ينظمان الشعر ويجيدانه، هما أبو بكر محمد وأبو عثمان سعيد الخالديان فحدثت بينه وبينهما منافسة، وكانا يحسنان الشعر، فرأى أن يكيد لهما بإضافة أجود ما ينظمانه إلى ديوان كشاجم، ليزيد حجمه وينفق سوقه من جهة، وليشنّع عليهما بأنهما يسرقان شعره كما يسرقان شعر غيره من جهة ثانية، مما أشعل نار الهجاء بينه وبينهما، وظلت لا تخمد أبدا. ويسمع بما ينثره سيف الدولة الحمدانى فى حلب من عطايا وأموال على الشعراء، فيشدّ رحاله إليه، وقد أكرم وفادته عليه، فأقام بحضرته، فاشتهر وطلع سعده بعد الأفول، وبعد صيته بعد الخمول، وله فيه مدائح بديعة كقوله فى تصوير فرار الروم بين يديه ومقتلته فيهم مقتلة عظيمة:
تركتهم بين مصبوغ ترائبه ... من الدماء ومخضوب ذوائبه