الوزراء وغيرهم من الرؤساء وحسنت حاله، إذ نفق شعره وراج وسار فى الآفاق، وتهاداه الأدباء فى خراسان وسائر البلدان. ويقول ابن خلكان إنه جمع شعره قبل وفاته فى نحو ثلاثمائة ورقة ثم زاد فيه، ويذكر من تصانيفه كتاب الدّيرة وكتاب المحب والمحبوب والمشموم والمشروب. وقد أنشد الثعالبى من شعره فى اليتيمة نحو ستين صحيفة وزعها على سرقاته وما تكرر من معانيه وأهاجيه ومديحه ولهوه ومجونه وربيعياته وأوصافه وغزلياته وما يتغنّى به من أشعاره. ويسوق له الثعالبى طائفة من أهاجيه فى الخالديين مدعيا عليهما أنهما يسرقان أشعاره، من ذلك قوله:
أفى كلّ يوم للغبيّين غارة ... تروّع ألفاظى المحجّلة الغرّا
فمهلا أبا عثمان مهلا فإنما ... يغار على الأشعار من عشق الشّعرا
لأطفأتما تلك النجوم بأسرها ... ودنّستما تلك المطارف والأزرا
فويحكما هلاّ بشطر قنعتما ... وأبقيتما لى من محاسنه شطرا
ويكثر من اتهام الخالديين بتلك السرقة، ويردد ذلك فى مدائحه وأنهما يبيعان أشعاره فى العراق، وليتهما يبيعانها لمن يستحقها، فإنهما يبيعانها بثمن بخس لكل من لقياه، غير مقدرين لقيمتها، ولا واعيين لقدرها، ويزعم أن غارتهما على شعره غارة عامة للمديح وغير المديح، يقول:
ذئبان لو ظفرا بالشّعر فى حرم ... لمزّقاه بأنياب وأظفار
باعا عرائس شعرى بالعراق فلا ... تبعد سباياه من عون وأبكار
وما رأى الناس سبيا مثل سبيهما ... بيعت نفيسته ظلما بدينار
والله ما مدحا حيّا ولا رثيا ... ميتا ولا افتخرا إلا بأشعارى
ولا يزال يصف هذا السّبى الشعرى من عون أو ثيبات وأبكار، وكيف أن من هذا السبى جرحى لم تضرب بحد سيف، وأسرى لم تحمل على ظهور خيل. ويبكى تعبه فى نظم أشعاره ويشبهها بالرياض ويصور إشفاقها على أنفسها من هذين اللصين وسيوفهما التى تفتك بها فتكا ذريعا. ويعقد الثعالبى فصلا لأهاجيه لابن العصب الملحى الشاعر وكان يتعصب للخالديين عليه، وهو فى هجائه له يقذع إقذاعا شديدا زاعما مشاهدة أهل الرّيب فى منزله بين اللهو والخمر والقصف، وكأنه لا يعيش فى منزل إنما يعيش فى حانة، يقول فى وصف دعوة دعاه فيها ساخرا:
وطاف الشّيخ بالدّنّ ... إلى أن نزف الدّنّا
فأدنى كدر العيش ... بها لا كان ما أدنى