كان طبيعيا أن يضع المصريون سيرة شعبية طويلة للظاهر بيبرس بطل موقعة عين جالوت التى لم تقم بعدها للتتار قائمة. بل لقد ولوا الأدبار إلى الشمال فى الشام وبيبرس يلاحقهم حتى اتجهوا شرقا إلى شمالى العراق. وبمجرد استيلائه على الحكم فى مصر سنة ٦٥٨ أخذ يثّبت حكمه باستقدامه أحد سلالة العباسيين، وكان من أبناء الخليفة العباسى الظاهر ونجا من مذبحة المغول ببغداد ونزل دمشق، فاستدعاه بيبرس إلى القاهرة، وبايعه بالخلافة، وبذلك أصبح بيبرس حاميا لها. وتبعه فى حمايته سلاطين المماليك إلى أن أخذ السلطان سليم العثمانى فاتح مصر الخليفة العباسى معه إلى القسطنطينية. وكان بيبرس سيوسا حازما وقائدا ماهرا فاتسع بدولته فى الجنوب ببلاد النوبة ودانت له القبائل فى ليبيا، وهزم التتار على الفرات فى غير معركة وأوقع بالأرمن خسائر فادحة، وكال للصليبيين ضربات قاصمة، واستولى على كثير من قلاعهم وحصونهم، ودان له الحشاشون الفدائيون داخل الشام بالطاعة. وتعدّ أيامه أزهى أيام مصر زمن المماليك وأعظمها ازدهارا، لذلك كان من الطبيعى أن تؤلّف عنه سيرة شعبية، وهو فيها بطل عربى يسمى «محمود بيبرس» وقد مثلوا فيه الفروسية العربية ومظاهرها الباسلة وخاصة فى حروبه مع الصليبيين.
ولغة السيرة عامية والنثر يغلب فيها بالقياس إلى الشعر، ولذلك لم تكن تنشد، بل كانت تروى، وتنسب إلى أربعة رواة أصليين هم ابن الدينارى وكاتم السر أى كاتب السر وناظر الجيش والصاحب والدويدارى (تحريف للدوادار) وهو الأمين الخاص للسلطان. وتتداخل فى السيرة قصص طويلة كقصة إبراهيم الحورانى ورحلته إلى روما. وتتحدث السيرة عن نشأة محمود بيبرس وعلاقته بالسلطان الأيوبى نجم الدين الملقب بالملك الصالح وما عهد إليه من الأعمال، وصلته بشجرة الدر وأبيك وقطز. وتصف جلوسه على عرش مصر وامتداد حروبه وساحات بطولته إلى أوروبا، وتعرض أعماله وإخضاعه الفدائيين الحشاشين المشهورين بكثرة اغتيالاتهم منذ زعيمهم الحسن الصبّاح، وتذكر من زعمائهم جمال الدين شيحه، ولعله صاحب القبر المعروف باسمه فى دمياط. ومن أبطال السيرة معروف زوج مريم الزنارية النصرانية وقد أنجبت منه ابنا حاربه قبل أن
(١) انظر هذه السيرة تحت كلمة بيبرس فى دائرة المعارف الإسلامية.