للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا جنة، قد فاحت مباخرها بالطيب والمسك وسطع شذاها سطوعا عظيما. وحرى أن نفرد ترجمة لكل من عبد الله بن محمد الجراوى وإبراهيم بن عبد الجبار الفجيجى.

عبد الله بن محمد الجراوى (١)

شاعر جزائرى من جراوة بين مدينة قسنطينة وقلعة بنى حماد، تأدب فى مسقط رأسه جراوة داخل الجزائر، وقدم إلى القيروان-كما يقول ابن رشيق-فى أوائل العقد الرابع من حياته، وتعلق بخدمة المعز بن باديس. ويقول ابن رشيق: كان شاعرا فحلا وصافا جيد الفكر والخاطر، تحسب بديهته رويّته، يتحدّر كلامه كالسيل، وكان حسن الخلق جميل العشرة مزاحا، سأله أيوب بن يطوفت أحد رجالات صنهاجة: أى بروج السماء لك؟ فقال: وا عجبا منك مالى فى الأرض بيت فكيف يكون لى برج فى السماء، فضحك، وأمر له بدار جواره. ويذكر ابن رشيق أنه: توفى سنة خمس عشرة وأربعمائة وقد بلغت سنه نيفا وأربعين سنة، وكانوا قد أغروا به القائد حماد بن سيف (العزيز بالله) فدسّ عليه من قتله ليلا، وعرف خطأه فأسف عليه. وقد أشاد به ابن رشيق كما رأينا فى الشعر إشادة رائعة، ومما أنشد له قوله البديع فى وصف ديك:

وكائن نفى النوم عن عترفان ... بديع الملاحة حلو المعانى (٢)

بأجفان عينيه يا قوتتان ... كأن وميضهما جمرتان

على رأسه التاج مستشرفا ... كتاج ابن هرمز فى المهرجان

وقرطان من جوهر أحمر ... يزينانه زين قرط الحصان

له عنق حولها رونق ... كما حوت الخمر إحدى القنانى

ودار برائله حولها ... كما نوّرت شعرة الزعفران (٣)

والجراوى يقول إن النوم انتفى عن الديك وظل مسهدا طوال الليل بديع الجمال حلو المعانى وبأجفانه ياقوتتان تومضان كأنهما جمرتان وعلى رأسه تاج عرفه كتاج ابن هرمز فى احتفال يوم المهرجان، وله قرطان من ياقوت أحمر يزينانه كما يزينان المرأة العفيفة الطاهرة، ويستدير حول جيده رونق من الجمال الرائع: وله ريش بديع زاه زهو الزعفران، ويستتم وصفه للديك قائلا:

ودارت بجؤجئه حلّة ... تروق كما راقك الخسروانى (٤)

وقام به ذنب معجب ... كباقة زهر بدت من بنان

وقاس جناحا على ساقه ... قيس ستر على خيزران


(١) انظر ترجمة الجراوى فى الأنموذج ص ٢١٦.
(٢) العترفان: الديك.
(٣) برائله: ريش يستدير حول عنقه.
(٤) الجؤجؤ: الصدر. الخسروانى: الطليسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>