لبارى فى شرقى إيطاليا ولروما نفسها، ولحصون وبقاع إيطالية كثيرة جنوبيها، واستولى على مالطة سنة ٢٥٥ هـ/٨٦٨ م ونشر بها الإسلام وحضارته الباهرة. وتبلغ هذه الدولة التونسية الجزائرية أعظم قسط من الحضارة والمدنية فى عهد إبراهيم بن أحمد الأغلبى (٢٦١ هـ/٨٧٤ م-٢٨٩ هـ/٩٠١ م) إذ يؤسس فى مدينته رقادة التى بناها بجوار القيروان بيت حكمة على غرار بيت الحكمة للرشيد والمأمون ببغداد، وهو أول جامعة للعلوم نشأت فى البلاد المغربية، وكان يدرس بها الطب والفلك وتقويم البلدان والفلسفة، وقاد إبراهيم الأسطول بنفسه إلى جنوبى إيطاليا، واستولى فيه على طائفة كبيرة من الحصون. وكل ذلك كان يملأ الرعية فى الإقليم التونسى وشرقى الجزائر بالبهجة. وكان الأغالبة على وعى كبير بالسياسة وتدبير شئون الحكم، فكانوا يولون على شرقى الجزائر فى طبنة ولاة يحسنون إدارة الحكم، وكانوا يمنحونهم سلطة إدارية واسعة، وكان قاضى القيروان يولى على البلاد قضاة نزهين تقاة يحكمون بين الناس بالعدل والإنصاف لا فرق بين عربى وبربرى، بل مساواة تامة فى الحقوق والواجبات، فازدهرت الحياة فى شرقى الجزائر-لعهد الأغالبة-وازدهرت الحضارة الإسلامية ازدهارا رائعا.
(ج) الإباضيون (١)
تأسست الدولة الإباضية فى القسم الغربى من الجزائر الداخل قديما فى موريتانيا الشرقية، أسّسها عبد الرحمن بن رستم فى منطقة جبلية وعرة متخذا مدينة تاهرت عاصمة لها، ولما أن كثر أتباعه من الإباضية أعلنها سنة ١٦٠ هـ/٧٧٦ م وقد أقامها على أسس مبادئ الإباضية المثالية إذ جعلها ديمقراطية يولّى الإمام فيها بمشورة ستة من وجوه القوم ورؤساء القبائل على نحو ما صنع عمر بن الخطاب واشترط فى الإمام أن يكون عادلا منتهى العدل عالما بالإسلام وتعاليمه حق العلم عاملا بمبادئه التى تكفل بدقة مصلحة الجماعة فى الدنيا وسعادتها فى الآخرة، ويبايع الإمام بيعة عامة بعد انتخاب الشورى له، ويستشير فى الأمور المهمة «الشراة» وهم عظماء المذهب الإباضى وعلماؤه، كما يستشير فى الأمور العامة سادة القوم والقبائل، ويعيّن القضاة بعد استشارة الشراة، ويضبط الحكم عن طريق نوعين من الشرطة: شرطة تقوم بالحراسة والمحافظة على الأمن، وشرطة تسمى شرطة الحسبة تشرف على الأسواق وتحكم فى خصوماتها وتطوف فى المدينة أو القبيلة، آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر. وتداول الإمامة فى تاهرت ستة أئمة، أولهم عبد الرحمن بن رستم مؤسس الدولة حتى سنة ١٧١ وكان يتميز
(١) انظر فى الدولة الإباضية بتاهرت كتاب أخبار الأئمة الرستميين لابن الصغير بتحقيق الدكتور ناصر والأستاذ النجار والبيان المغرب لابن عذارى وكتاب السير للشماخى وتاريخ الجزائر لأحمد توفيق المدنى والجزء الثالث من تاريخ المغرب الكبير لمحمد على دبوز والأزهار الرياضية فى أئمة وملوك الإباضية لسليمان البارونى وتاريخ الجزائر فى القديم والحديث للميلى ص ٤٣٦ وما بعدها.