للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحمد (١) بن عبد الدائم

هو شهاب الدين أحمد بن عبد الدائم الشّر مساحى نسبة إلى شر مساح: بلدة قريبة من المنصورة فى شمالى الدلتا، ولد فى أوائل زمن المماليك سنة ٦٦٣ وأقبل مثل لداته على الدراسات الدينية واللغوية، وأكبّ على الشعر حتى مهر فيه غير أنه لم يتجه به إلى زهد وتصوف ولا إلى غزل ومديح، وإنما اتجه به إلى الهجاء يسلق الناس بلسانه ويخافون شره فيبادرون إلى إعطائه بعض النوال. ولم يقف بهجائه عند أهل مصر فقد كان يرحل إلى دمشق ويتخذ هناك نفس الوسيلة، ويقال إنه دخل على قاضيها شهاب الدين الخويّى وقدم إليه قصيدة هجو فردّها إليه وقال له:

كأنك ذاهل، فقال له: لست بذاهل، بل صنعت ذلك عمدا لأشتهر فإنك إذا أدبتنى قال الناس: ما هذا؟ فيجيبهم المؤدبون: هذا غريم القاضى، فأشتهر، فوصله وعفا عنه. وكان لا يقف فى الهجاء عند حد، إذ كان يستخدمه كما رأينا فى هجو القضاة كذبا وبهتانا، وبالمثل كان يستخدمه فى هجو علماء الدين غير متورع، من ذلك أن المظفر بيبرس الجاشنكير كان يقرّب منه فى سلطنته بعد خلع الناصر بن قلاون لنفسه سنة ٧٠٨ كلا من الفقيه ابن عدلان وزميله الفقيه ابن المرحّل الدمياطى، حتى إذا دار العام عزل نفسه وعاد الناصر بن قلاوون، ولم يضع ابن عبد الدائم الفرصة، فقد مدح الناصر بقصيدة يهنئه فيها بعودته إلى عرشه ويهجو المظفر بيبرس ويعرّض بصحبته لشمس الدين محمد بن عدلان وصدر الدين محمد بن زين الدين الملقب بابن المرحّل وبابن الوكيل، ومن قوله فيها:

ولّى المظفّر لما فاته الظّفر ... وناصر الحق وافى وهو منتصر

فقل لبيبرس إن الدهر ألبسه ... أثواب عارية فى طولها قصر

لما تولّى تولّى الخير عن أمم ... لم يحمدوا أمرهم فيها ولا شكروا (٢)

وكيف تمشى به الأحوال فى زمن ... لا النّيل وافى ولا وافاهم مطر

ومن يقوم ابن عدلان بنصرته ... وابن المرحّل قل لى كيف ينتصر؟


(١) انظر فى أحمد بن عبد الدائم وترجمته وأشعاره الفوات ١/ ٨٦ والدرر الكامنة لابن حجر ١/ ١٧١ والنجوم الزاهرة ٩/ ٩، ٢٤٩.
(٢) تولى الأولى بمعنى تقلد الحكم. وتولى الثانية بمعنى أدبر وأعرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>