للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا وراءه مرمى، الظاهر لا تخيّلا ولا وهما، الباطن تقدّسا لا عدما وسع كل شئ رحمة وعلما وأسبغ على أوليائه نعما عمّا (١)، وبعث فيهم رسولا من أنفسهم أنفسهم عربا وعجما، وأزكاهم محتدا ومنمى، وأرجحهم عقلا وحلما، وأوفرهم علما وفهما، وأقواهم يقينا وعزما، وأشدهم بهم رأفة ورحمى، زكّاه روحا وجسما، وحاشاه عيبا ووصما، وآتاه حكمة وحكما، وفتح به أعينا عميا وقلوبا غلفا (٢) وآذانا صمّا، فآمن به وعزّره ونصره من جعل الله له فى مغنم السعادة قسما، وكذّب به وصدف (٣) عن آياته من كتب الله عليه الشقاء حتما، {وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى} صلّى الله عليه صلاة تنمو وتنمى، وعلى آله وسلّم تسليما».

والتحميد والتمجيد فى لغة عذبة سلسة، سواء فى الألفاظ أو فى الأسجاع القصار مع ما يزينها من الألفاظ والآيات القرآنية، وقد افتتح بهما كما أسلفنا كتابه الشفاء بتعريف حقوق المصطفى صلّى الله عليه وسلم.

(ب) أبو جعفر (٤) أحمد بن عطية

أول كتّاب المغرب الأقصى النابهين فى ديوان على بن يوسف بن تاشفين وابنه تاشفين، ويقال إنه ولد سنة ٥١٧ هـ‍/١١٢٣ م وكأنه كتب فى هذا الديوان قبل العشرين من عمره، وفيه تعرّف على تقاليد الكتابة الديوانية التى أرساها فى الديوان المغربى كتّاب الأندلس أبو بكر بن القصيرة وابن أبى الخصال وعبد المجيد بن عبدون وأضرابهم، ولما قضى الموحدون على دولة المرابطين فرّ وغيّر هيئته، وكان محسنا لرمى السهام، فانتظم فى الجيش الموحدىّ الذى خرج إلى مدينة سوس فى الجنوب لقتال ثائر هناك، وانتصر الجيش الموحدى وقتل الثائر وانهزم أنصاره، فطلب القائد أبو حفص عمر إينتى كاتبا يحسن عرض المعركة ليخبر بها رئيس الدولة عبد المؤمن ومن معه من الموحدين، فدلّ على أبى جعفر، وكتب له رسالة طويلة أعجبت عبد المؤمن، فاستدعاه، واستكتبه وزاده الوزارة إلى الكتابة، لما رأى عنده من شجاعة قلبه وحصافة رأيه، كما يقول المراكشى. ولم يزل وزيره إلى أن أغضبه فقتله، وفى كتاب المعجب أن سبب قتله أنه كان قد تزوج بنت أبى بكر بن يوسف بن ناشفين، وكان أخوها يحيى فارسا وأبلى بلاء شديدا فى مقاومة الموحدين، وانقاد لهم حين تمّ نصرهم وانضوى تحت لوائهم،


(١) نعما عما: نعما كثيرة.
(٢) غلفا: جمع أغلف: كأن على القلب غلافا.
(٣) صدف: أعرض.
(٤) انظر فى ترجمة أبى جعفر أحمد بن عطية كتاب المعجب لعبد الواحد المراكشى ص ٢٦٦ - ٢٦٩ والإحاطة لابن الخطيب ١/ ١٣٢ - ١٣٩ والنبوغ المغربى ٢/ ١٦٦ والوافى ١/ ٢٥١ - وانظر فى رسائله مجموع رسائل موحدية من إنشاء كتاب الدولة المؤمنية (طبع الرباط).

<<  <  ج: ص:  >  >>