للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكثر ابن الخطيب-كعادة أهل الأندلس فى زمنه وقبل زمنه-من الكتابة عن سلطانيه أبى الحجاج وابنه الغنى بالله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم متوسلين إليه بالشفاعة فى تحقيق أمانيهم الدنيوية فى النصر على الأعداء وأمانيهم الأخروية فى الغفران والرضوان، مع تصوير جهادهما الدائب فى نصرة الإسلام والذب عن حياضه فى الأندلس. ويفيض المقرى بكتابه نفح الطيب فى الحديث عن شيوخه وتلاميذه وأولاده وهو بحق مفخرة من مفاخر الأندلس حسن أداء وروعة بيان.

[٢ - الرسائل الشخصية]

طبيعى أن يعنى الكتاب بهذه الرسائل منذ عنايتهم بالرسائل الديوانية معبرين عن عواطفهم ومشاعرهم من ثناء وشكر وعتاب واستعطاف واعتذار وتهنئة وشفاعة واستمناح وتعزية، وليس بين أيدينا نصوص منها قبل عصر المنصور بن أبى عامر فى أواخر القرن الرابع إذ احتفظ ابن بسام فى الذخيرة بطائفة من الرسائل الديوانية التى صدرت من دواوينه على لسان ابن برد الأكبر وابن دراج شاعره وساق للأخير رسالة شكر لمن أنقذه من ضنك حياته، وهو يصف فيها ما كان قد نزل به من الضنك والبؤس بعد أن كان فى ثراء وحال حسنة قائلا (١):

«كنت قد نشأت فى معقل من العفا (٢) والوفر، محدقا بسور من الأمن والسّتر، حتى أرسل إلىّ سلطان الفقر، رسولا من نوب الدهر، يريد استنزالى إليه، وخضوعى بين يديه، فأبيت من ذلك عليه، فغزانى بكتائب من النّوائب، تسير تحت ألوية المصائب، تبرق بسيوف الرّزايا، وتشهر أسنّة المنايا، يرمون عن قسىّ الأوجال، ويضربون طبول الذّعر وسوء الحال، بأيد باطشة لا تكلّ، وبصائر ثابتة لا تملّ».

والرسالة مبنية على السجع، مبالغة فى التأنق، وقد اختيرت فيها الألفاظ وامتلأت بالتصاوير، مما يؤكد شيوع التنميق فى الرسائل الشخصية منذ أواخر القرن الرابع الهجرى على نحو ما أخذ يحدث فى الرسائل الديوانية عند ابن دراج نفسه وعند ابن برد


(١) الذخيرة لابن بسام (تحقيق د. إحسان عباس) ١/ ٦٢.
(٢) العفا هنا: كثرة الخير وطيب العيش.

<<  <  ج: ص:  >  >>