للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طائفة من النعوت، ومع سلام كريم كما حملت أحاديث الأزهار نسمات الأسحار، وأطال فى التحميد والصلاة على رسول الله والدعاء للخلافة، كما أطال فى وصف الرسالة وحاملها والهدية النفيسة من الخيل فرسا فرسا، واستطرد إلى ذكر الخيول والأفراس المشهورة عند العرب، ويعود إلى ذكر رسول الخليفة أو سفيره مطريا مثنيا، ثم يأخذ فى وصف جهاد سلطانه الغنى بالله لنصارى الشمال ومنازلته لهم فى مدن كثيرة، من ذلك منازلته لهم فى جيّان وكانت قد سقطت فى أيديهم سنة ٦٤٣ للهجرة ويصف تلك المنازلة بقوله:

«وهذه المدينة هى الأمّ الولود، والجنّة التى فى النار لسكّانها من الكفار الخلود، وكرسىّ الملك، ومجنّبته (١) الوسطى من السّلك، غاب الأسود، وجحر الحيّات السود. .

ولما أكثبنا (٢) جوارها، وكدنا نلتمح، نارها، تحركنا إليها ووشاح الأفق المرقوم (٣) بزهر النجوم قد دار دائره، واللّيل من خوف الصباح على سطحه المستباح قد شابت غدائره. . ولما فشا سرّ الصباح، واهتزّت أعطاف الرايات بتحيات مبشّرات الرياح، أطللنا عليها إطلال الأسود على الفرائس، والفحول على العرائس. . ودفعوا من أصحر (٤) إليهم من الفرسان، وسبق إلى حومة الميدان، حتى أجحروهم (٥) فى البلد، وسلبوهم لباس الجلد، فى موقف يذهل الوالد عن الولد، صابت (٦) السهام فيه غماما، وطارت كأسراب الحمام تهدى حماما (٧)، وأضحت القنا قصدا (٨)، بعد أن كانت شهابا رصدا».

والقطعة زاخرة بالجناسات والتصاوير، فجيان أم ولود، وجنة من جنان الأندلس ولساكنيها النار وبئس القرار. وقد دنوا منها فى أخريات الليل ووشاح الأفق المرصع بالنجوم يوشك أن يغيب والليل من خوف الصباح يوشك أن يشيب، ولم يلبث الصباح أن أخذ يذيع أسراره بينما تهتز الأغصان بتحيات الرياح مبشرة لهم بالظفر على الأعداء، وهبطوا عليهم كالأسود الكواسر، ولم يلبثوا أن دخلوا فى جحورهم فرارا من الموت الزؤام وما ينزلون بهم من غمام السهام وصواعق الموت، وتكسرت الرماح التى كانت تحميهم، وخروا صرعى مجدّلين.


(١) مجنبة واسطة السلك: الجوهرة بجانب الجوهرة الوسطى الفريدة فى العقد.
(٢) أكثبنا: قاربنا.
(٣) المرقوم: الموسوم والمنقوش.
(٤) أصحر: برز.
(٥) أجحر: أدخل.
(٦) صاب: انصبّ.
(٧) الحمام بكسر الحاء: الموت.
(٨) قصد جمع قصدة: قطعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>