فى مرتكبى الكبائر إنهم موحدون لا يؤمنون، وهم كفار نعمة لا كفار ملة. وعندهم أن الإيمان لا يكفى فيه القول ولا الاعتقاد والتصديق، بل لا بد من العمل وأداء فروض الدين. ويتفقون مع المعتزلة فى نفى رؤية الله تعالى بالأبصار يوم القيامة وينزهون الذات العلية عن الشبه بالمخلوقات، ويقولون إن القرآن مخلوق حادث، وإذا صح ما يقوله الشهرستانى كانوا يتفقون مع الأشعرية فى رأيهم أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى إحداثا وإبداعا ومكتسبة للعبد حقيقة لا مجازا. ولا يتسمى إمامهم باسم أمير المؤمنين، ولا يسمون أنفسهم مهاجرين.
وهذا الاعتدال فى مذهب الإباضية يجعلنا ننفى عنهم نفيا باتّا دولة بنى مهدى الخارجية التى استولت على زبيد باليمن سنة ٥٥٤ للهجرة كما مر بنا، فقد تسمى مؤسسها بأمير المؤمنين كما تسمى بالمهدى، وكأنه جمع بين فكرتى الشيعة الإسماعيلية والخوارج الغالين معا مثل الأزارقة من جهة والقرامطة من جهة ثانية، إذ كان-كما أسلفنا-يكفّر بالمعاصى ويقتل من اقترف كبيرة وبالمثل كل من خالف عقيدته من المسلمين واستباح نساءهم وسمّى دارهم دار حرب. وهو فى ذلك كله غال غلوا شديدا حتى ليتقدم الأزارقة خطوة فى الغلو، ثم هو يدّعى العصمة ويدعيها له أتباعه وهو فى ذلك غال غلو الشيعة الإسماعيلية، بل إنه ليعد نفسه المهدىّ المنتظر، ولم يلبث توران شاه-كما مرّ بنا-أن قضى على من خلفه ودولتهم الخارجية الشيعية.
٥ - الدعوة الوهابية السلفية (١)
دعوة للرجوع إلى طريق السلف ونبذ البدع التى شابت العقيدة الإسلامية ونبذ تقديس الأولياء الصالحين والتوسل بهم إلى قضاء الحاجات، كالبركة فى الزروع أو فى الأغنام والأنعام أو فى برء المرضى وشفائهم، وابن تيمية المتوفى سنة ٧٢٨ للهجرة هو أكبر من حمل على البدع وما يتصل بها من تقديس بعض الأشجار
(١) انظر كتاب الإيمان لابن تيمية (طبع دمشق) وقاعدة جليلة فى التوسل والوسيلة ومجموعة الرسائل الكبرى (طبع القاهرة) وكتاب التوحيد وكشف الشبهات فى التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب طبع القاهرة ولمع الشهاب فى سيرة محمد بن عبد الوهاب للربكى وعنوان المجد فى تاريخ نجد لعثمان بن بشر وروضة الأفكار لحسين بن غنام وزعماء الإصلاح لأحمد أمين والعقيدة والشريعة فى الإسلام لجولد تسيهر