لا يتجزأ من الجيش العربى لعهد حسان بن النعمان (٧١ - ٨٥ هـ) إذ نراه يعين ابنى الكاهنة التى قادت ثورة عنيفة ضد المسلمين قائدين فى الجيش بعد إسلامهما، وأدخل فيه كتيبة من البربر عدادها اثنا عشر ألفا، وبذلك لم يعد فى الجيش أى فارق بين العرب والبربر، فهم يجندون فيه ويتولون قيادة بعض فرقه الكبيرة. ويتولى بعده موسى بن نصير (٨٦ - ٩٦ هـ) فيتخذ من البربر ولاة وقوادا مثل طارق بن زياد فقد ولاه طنجة ثم جعله قائدا للجيش الفاتح لإيبريا وكان جيشه مؤلفا من سبعة عشر ألف جندى عربى واثنى عشر ألف جندى بربرى، وأمر موسى الجنود العرب أن يعلموا إخوانهم جنود البربر القرآن وأن يفقهوهم فى الدين كما يقول ابن عذارى، وفى رواية أخرى: أن موسى ترك سبعين رجلا من العرب يعلمون البربر القرآن وشرائع الإسلام. وهؤلاء السبعون فقيها لا يعدون شيئا بالقياس إلى ما حدث حتى تاريخ ولاية موسى بن نصير من اندماج المغرب فى الأمة الإسلامية. إذ أصبح يدين بدينها القويم ويتكلم كثيرون من أهله بالعربية وهو عمل ضخم لا ينهض به سبعون فقيها، إنما نهضت به الجيوش العربية الفاتحة للمغرب التى خرجت إليه للجهاد فى سبيل الله، ولنشر دينه وتعاليمه، مما يجعلنا نزعم أن هؤلاء الجنود كانوا مجاهدين فى نشر الدين الحنيف بالمغرب من جهة ومعلمين لأهله القرآن وتعاليم الإسلام من جهة ثانية.
[(ب) النشأة العلمية]
أخذ ينشأ فى القيروان وتونس-منذ أواخر القرن الأول الهجرى-جيل من مواليد إفريقية التونسية يكبّ على حلقات العلماء الوافدين من المشرق ينهل منها مثل عكرمة مولى ابن عباس المفسر المشهور، ويقول المالكى فى رياض النفوس إن مجلسه كان فى مؤخر جامع عقبة فى القيروان حيث كان يلقى دروسه على الناس فى التفسير والحديث ومات سنة ١٠٥ للهجرة. وذكرنا فى غير هذا الموضع أن الخليفة عمر بن عبد العزيز أرسل إلى القيروان بعثة تعليمية مكوّنة من عشرة فقهاء اختارهم، ليفقهوا الناس فى الدين وما يتصل به من تفسير للذكر الحكيم ومن شرح لبعض الأحاديث النبوية، وهم: إسماعيل بن أبى المهاجر المخزومى، وجعيل بن عمير، وإسماعيل بن عبيد الأنصارى، وعبد الله بن يزيد المعافرى، وسعد بن مسعود التجيبى، وعبد الرحمن بن رافع التنوخى، وحبان بن أبى جبلة القرشى، وبكر بن سوادة الجذامى، وموهب بن حيى، وطلق بن جابان الفارسى. وأسند إلى ابن أبى المهاجر -بجانب عمله الدينى-ولاية إفريقية والمغرب كما أسند إلى جعيل بن عمير قضاء الجند، وبمجرد أن نزلوا القيروان اتخذ كل منهم دارا لسكناه ومسجدا لصلاته وتعليم الناس أمور دينهم وسنة رسولهم. وهؤلاء المعلمون الرسميون للدولة كان يشترك معهم فى تعليم الشباب علماء آخرون من أهمهم يحيى بن سعيد الأنصارى الذى أرسله عمر بن العزيز عاملا على الصدقات،