للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان محدثا كبيرا وممن روى عنه الحديث الأئمة أبو حنيفة ومالك والليث بن سعد فقيه مصر والأوزاعى فقيه الشام. وقد نزل مدينة تونس وأخذ عنه شبابها الحديث يتقدمهم خالد بن أبى عمران التجيبى قاضى القيروان وزميلاه عبد الرحمن بن زياد وعلى بن زياد.

والثلاثة من تلامذة يحيى بن سعيد الأنصارى والمعلمين العشرة الذين أرسلهم إلى القيروان عمر بن عبد العزيز وقد رأوا أن لا يكتفوا بما أخذوا عنهم بل ينبغى أن يضيفوا إلى ذلك رحلة علمية إلى مصر والحجاز والعراق للأخذ عن كبار الفقهاء والمحدثين وحملة العلم فى تلك الديار.

ولفت خالد بن أبى عمران التجيبى أنظار الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة فى مصر ومالك إمام الحجاز، ورووا عنه بعض أحاديث، وهى فى موطأ مالك مأخوذة عنه بسند يحيى بن سعيد المذكور آنفا. وعبد الرحمن بن زياد تولى القضاء بالقيروان مرتين كان أبوه من جند حسان بن النعمان ولد له سنة ٧٤ للهجرة وتوفى سنة ١٦١ وحل للقاء العلماء والمحدثين فى مصر والشام والعراق والحجاز وعنه روى الحديث الفقيهان المصريان ابن لهيعة وابن وهب كما رواه عنه سفيان الثورى العراقى. وعلى بن زياد التونسى معاصره رحل بدوره إلى المشرق وتتلمذ فى مصر لليث بن سعد وابن لهيعة وفى العراق لسفيان الثورى وحمل عنه كتابه المعروف باسم جامع سفيان وفى المدينة تتلمذ لمالك، وهو أول من أدخل كتاب الموطأ فى الفقه المالكى إلى المغرب، وكان يعاصره من الشباب العلمى فى القيروان عبد الله بن فروخ الذى ثقف الفقه والحديث على شيوخ القيروان، ورحل إلى العراق ولزم أبا حنيفة فترة، ثم رحل إلى الحجاز ولقى مالك بن أنس وكان يكاتبه، وهو أول من نشر فقه أبى حنيفة فى القيروان.

وهذه النشأة للعلوم الدينية رافقتها فى إفريقية التونسية نشأة العلوم اللغوية لسبب طبيعى، وهو أن من يريد حفظ القرآن ورواية الحديث النبوى لا يمكنه أن يتقن ذلك إلا إذا وقف على سنن العربية وكانوا يستعينون على ذلك فى أول الأمر برواية الأشعار، وكانت مدينتا البصرة والكوفة جادّتين فى القرن الثانى الهجرى فى وضع قواعد العربية، وولى القيروان والمغرب يزيد بن حاتم المهلبى (١٥٥ - ١٧٠ هـ‍) وكان بحرا فياضا وصحب معه إلى إمارته المعمّر بن سنان التّيمى، وكان-كما يقول ابن الأبار فى ترجمته بالحلة السيراء-من أعلم الناس بأيام العرب وأخبارها ووقائعها وأشعارها، وعنه أخذ أهل إفريقية حرب غطفان وغيرها من وقائع العرب» وممن صحبه يزيد كاتم سرّه أبو على الحسن بن سعيد البصرى، وهو من النحاة البصريين وكتاب الدواوين. وكان يزيد غيثا مدرارا فى الجود والعطاء، كما ذكرنا، فأمّه غير شاعر، كما أمّه أو وفد عليه غير عالم نحوى ولغوى، وممن أمّه يونس بن حبيب إمام البصرة فى النحو واللغة، وتسامع به شباب القيروان فأكبّوا عليه يأخذون عنه ما عنده، ووفد على يزيد من الكوفة قتيبة الجعفى وهو من نحاتها، وقد أفاد منه الشباب القيروانى وانتفعوا به، ووفد عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>