للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه سحر العيون جميعا وسحر كل زينب وهند، ويقول إنه لا يستطيع الدنوّ أو القرب من وجنيتها فضلا عن أن يقتطف منهما شيئا، وهو لذلك يتعذب عذابا شديدا، وربما كان أهم الغزلين فى عصره.

٢ -

شعراء وصف الطبيعة

وصف الطبيعة غرض مهم من أغراض الشعر العربى فى كل عصر وفى كل إقليم، فدائما الشعراء يتغنون بما تقع عليه أبصارهم من مشاهد الطبيعة الصامتة: من الرياض والأزهار والحدائق والجبال والأنهار والبحار، وما يروعهم من مشاهدها الحية المتحركة فى الطير والحيوان الوحشى والأليف. ونلتقى ببكر بن حماد المتوفى سنة ٢٩٦ هـ‍/٩٠٨ م ومقطوعة له فى الطبيعة الصامتة إذ يصف البرد فى بلدته تاهرت عاصمة الدولة الرستمية قائلا (١):

ما أخشن البرد وريعانه ... وأطرف الشمس بتاهرت

تبدو من الغيم إذا ما بدت ... كأنما تنشر من تخت

فنحن فى بحر بلا لجّة ... تجرى بنا الرّيح على السّمت

نفرح بالشمس إذا ما بدت ... كفرحة الذمىّ بالسّبت

وهو يقول ما أشد خشونة البرد وصعوبته فى تاهرت وما أطرف طلوع الشمس بها إذ تبدو محجبة دائما من وراء الغيم وكأنما تنشر من وراء تخت أو ستر صفيق، وإنا لنشعر لشدة البرد كأننا فى بحر بلا لجة، وما أشد فرحتنا بالشمس حين تبدو كفرحة اليهودى بيوم السبت يوم عيده الأسبوعى. ولبكر مقطوعة حزينة يبكى بها بلدته تاهرت حين خرّبها فى سنة ٢٩٦ أبا عبيد الله داعية العبيديين وقضى على الدولة الرستمية بها، وفيها يقول (٢):

زرنا منازل قوم لم يزورونا ... إنا لفى غفلة عما يقاسونا

لو ينطقون لقالوا الزاد ويحكم ... حلّ الرحيل فما يرجو المقيمونا

الموت أجحف بالدنيا فخرّبها ... وفعلنا فعل قوم لا يموتونا

فالآن فابكوا فقد حقّ البكاء لكم ... فالحاملون لعرش الله يبكونا

ماذا عسى تنفع الدنيا بأجمعها ... لو كان جمّع فيها كنز قارونا

وهو يقول إننا زرنا منازل قوم فى قبورهم قضى عليهم أبا عبيد الله ولا نعرف ما يقاسون ولو نطقوا لقالوا لنا تزودوا للآخرة فقد حلّ بالمقيمين الرحيل عما قليل، وقد استأصل الموت أهل


(١) ديوان بكر بن حماد: نسخة مصورة طبع الجزائر ص ٦١.
(٢) الديوان ص ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>