للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجزائر لظللت أنظم غزلا عذريا عفيفا مثل غزل قيس العامرى مجنون ليلى كله صبابة وهيام وحرق من الحب والوجد تضطرم اضطراما، وله يتغزّل:

يمينا لقد عزّت علىّ المطالب ... ولى أبدا من سحر عينيك طالب

فسبحان من سوّاك فى الحسن صورة ... لها اعترفت بالحسن حور كواعب (١)

مراشف من شكل العقيق مصوغة ... ومبسم درّ للعقيق مناسب (٢)

وصدر بدت رمّانتاه كحقّتى ... لجين ونحر مشرق وترائب (٣)

تحوم عليها الشمس غيرى كئيبة ... تجاذب ثوبا للسّنا وتجانب (٤)

وقد حاولوا منى التسلّى بغيرها ... لقد أخفقت تلك الظنون الكواذب

وهل يستوى المصباح والشمس فى السّنا ... وهل يستوى بدر السما والكواكب

وهو يعجب بسحر عينى صاحبته فى البيت الأول وبجمالها فى البيت الثانى الذى تعترف به الحور الجميلات الشابات، وكأن مراشفها مصوغة من فصوص العقيق، ويلتئم بها مبسم اللآلى البديعة، وينوه بجمال صدرها ونحرها وترائبها، ويقول إن الشمس تغار من جمالها وتشعر بغير قليل من الحزن حين تراها وتجاذبها ثوب ضوئها، وتحاول تجنّبها شعورا منها بأنها أروع وأبهج. ويظن غير واحد أننى أستطيع التسلّى عنها بغيرها وخابت ظنونهم جميعا، وهل يمكن أن يتساوى المصابح والشمس أو يمكن أن يتساوى البدر فى تمّه وكماله بالكواكب والنجوم؟ ! . ومن غزلياته قوله:

أغصون تأوّدت أم قدود ... أم ورود تفتّحت أم خدود (٥)

أم وجوه بدت لنا أم بدور ... طالعات يحفّهنّ السّعود

فى سماء الجمال تسطع نورا ... وبقلبى منها-الزمان-وقود

كم لها فى الأسود من فتكات ... وبروق-من صدّها-ورعود

سحر تلك العيون فيه تناهت ... وتفانت زيانب وهنود

جنّتا وجنتيه عذّ بتانى ... وجنا الجنّتين عنى بعيد (٦)

وهو لا يدرى أيرى قدودا وقامات لهؤلاء الحسان أم يرى غصونا تتثنى دلالا، وهل يرى خدودا فاتند بحمرتها أم ورودا تتفتح جمالا، وهل يرى وجوها فاتنة أم بدورا يحفها السعد بل سعد السعود، وكأنها كواكب تسطع فى سماء الجمال نورا، ولقلبه منها وقود ماينى مشتعلا، وكم لها فى الأسد من فتكات وكم لها بروق ورعود، وإن سحر عيونها ما بعده سحر، ذاب


(١) كواعب، جمع كاعب: الفتاة الشابة.
(٢) العقيق: حجر كريم أحمر تتخذ منه الفصوص.
(٣) لجين: فضة.
(٤) السنا: الضوء.
(٥) تأودت: تثنت.
(٦) الجنا: كل ما يجنى من الشجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>