البربر هم العنصر الأول الذى سكن القطر التونسى وعمر أرضه أجيالا وقرونا قبل أن ينزله عناصر جدد، واختلف المؤرخون فى أصلهم ونسبهم، فقيل هم إفريقيون أصلا وموطنا وقيل بل هم آسيويون، فمن قائل إن أصلهم من اليمن، ومن قائل إن أصلهم من العماليق انتقلوا من ديار الشام إلى إفريقية، ومن قائل إنهم أخلاط من كنعان والعماليق، ومن قائل إنهم من عرب الشمال من ولد قيس بن عيلان، ومن قائل إن جدهم مازيغ كان أخا لفلسطين وأن أبناءه بارحوا الشام واخترقوا مصر إلى إفريقية، ومازيغ كان ابن كنعان بن حام، وهم بذلك حاميون لا ساميون، ويعلق ابن خلدون على هذه الآراء وما يماثلها فى بيان نسب البربر بأنها «أحاديث خرافة إذ مثل هذه الأمة (البربرية) المشتملة على أمم وعوالم ملأت جانب الأرض (المغربية) لا تكون منتقلة من جانب آخر وقطر محصور، والبربر معروفون فى بلادهم وأقاليمهم متميزون بشعارهم من الأمم منذ الأحقاب المتطاولة قبل الإسلام، فما الذى يحوجنا إلى التعلق بهذه الترهات فى شأن أوليتهم ولا يحتاج إلى مثله فى كل جيل وأمة من العجم والعرب». ويضيف ابن خلدون إلى ذلك قوله «إن نسابة البربر يزعمون فى بعض شعوبهم أنهم من العرب مثل لواتة يزعمون أنها من حمير، ومثل هوارة يزعمون أنها من كندة ومثل زناتة يزعمون أنها من بقايا التبابعة. . وهذه كلها مزاعم، والحق الذى شهدت به الرطانة والعجمة (فى ألسنة البربر) أنهم بمعزل عن العرب». وابن خلدون محق فى وصف ذلك كله بأنه مزاعم وترهات، إذ لا حاجة للبربر بذلك كله، إذ هم شعب عريق أصيل مضاه لشعوب العالم العريقة الأصيلة مثل
(١) انظر فى عناصر السكان بتونس الجزء السادس من تاريخ ابن خلدون، وكتاب ورقات عن الحضارة بإفريقية للأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب: الجزء الثالث، والمغرب الكبير لرشيد الناضورى: الجزء الأول، كذلك تاريخ المغرب الكبير لدبوز وبرنشفيك ١/ ٣١٣ وما بعدها.